الحمد لله.
أولاً : الخمر هي كل شراب مسكر ، سواء كان موجودا في العصر السابق أو وجد في عصر الحاضر ، أو سيوجد في المستقبل ، وسواء كان من العنب ، أو الشعير ، أو التمر ، أو الذرة ، أو أي شيء آخر .
ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ) رواه مسلم (2003) .
فالخمر اسم لكُلِّ ما يُوجَد فيه السُّكْر من الأَشربة كُلّها .
ينظر: "معالم السنن" للخطابي (4/264) .
وبناء على ذلك فما لا يسكر من الأشربة لا يُسمَّى خمراً ، ولا يحكم بتحريمه ، ولكن لا بد من التأكد من أن هذا الشراب غير مسكر ، فكثيراً ما يقال عن بعض الأشربة إنها غير مسكرة ، ثم لا تكون كذلك في حقيقة الأمر .
قال الحافظ : " الحكم يدور مع العلة ، والعلة في تحريم الخمر الإسكار ، فمهما وجد الإسكار وجد التحريم ". انتهى " فتح الباري" (10 / 56) .
وينظر جواب السؤال (33763) .
ثانياً :
لا يجوز معالجة الخمر لنزع الكحول منها ، وهو يشبه ما ذكره العلماء من تحريم تخليل الخمر .
وذلك لأننا مأمورون في الخمر باجتنابها ، كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
"واجتناب الشيء : هو التباعد عنه ، بأن تكون في غير الجانب الذي هو فيه " انتهى " أضواء البيان" (3/33) .
والقيام بمعالجتها لإزالة الكحول منها يتنافى مع اجتنابها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لأن اقتناء الخمر محرم ، فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرماً". انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 503) .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن تخليل الخمر ، فروى مسلم (1983) عنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا فَقَالَ: لَا) .
وفي لفظ لأبي داود (3675) : (أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا ، قَالَ : أَهْرِقْهَا . قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ : لَا) صححه النووي في " المجموع" (9/233) ، وابن الملقن في " البدر المنير" (6/630) ، والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود".
وهذا نهي يقتضي التحريم , ولو كان يمكن الانتفاع بالخمر أو تحويلها إلى شيء ينتفع به لم تجز إراقتها ، بل أرشدهم إليه صلى الله عليه وسلم ، لا سيما وهي لأيتام يحرم التفريط في أموالهم .
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/ 92) : " الخمر تجب إراقتها ... لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حينما نزلت الآيتان في تحريم الخمر ، ويحرم إبقاؤها والانتفاع بها على حالها ، ويحرم تحويلها عن خمريتها بالتخليل أو بتحليل بعض أجزائها ، وتخليصها مما بها من الكحول ، ولا خلطها بغيرها مما يراد الانتفاع به ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تخليل الخمر سدا للذريعة ، وقطعا لطريق إعادة تركيبها واستعمالها ". انتهى .
وينظر جواب السؤال (14276) .
والحاصل : أن معالجة الخمر لنزع الكحول منها عمل محرم لا يجوز .
ولكن لو تم ذلك ، فهل يحل للإنسان أن يشربها نظراً لخلوها من الإسكار الذي هو علة التحريم أم لا ؟.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المشهور من المذهب : أنها إِذا خُلِّلَتْ لا تطهُر ، ولو زالت شدَّتُها المسكرة... لأن زوال الإِسكار كان بفعل شيء محرَّم ، فلم يترتَّب عليه أثره ..
وقال بعض العلماء : إِنها تطهُر ، وتحلُّ بذلك ، مع كون الفعل حراماً ، وعلّلوا : أنَّ عِلَّة النَّجاسة الإسكار ، والإِسكار قد زال ، فتكون حلالاً ..
وقال آخرون : إِنْ خلَّلها مَنْ يعتقدُ حِلَّ الخمر كأهل الكتاب ؛ اليهود والنَّصارى ، حَلَّت ، وصارت طاهرة ، وإِن خلَّلها مَنْ لا تَحِلُّ له فهي حرام نجسة ..
وهو أقرب الأقوال ، وعلى هذا يكون الخلُّ الآتي من اليهود والنَّصارى حلالاً طاهراً ، لأنهم فعلوا ذلك على وجه يعتقدون حِلَّه ". انتهى من " الشرح الممتع" (1/250) بتصرف .
وقال أيضاً : " لكن لو خلَّله من يعتقد حِلَّ التخليل من مسلم أو كافر ، فهل يحل؟
الصحيح أنه يحل ؛ لأن هذا انقلب خلاًّ على وجه مباح ، فصار مباحاً ، وعلى هذا فالخل الوارد من بلاد الكفار يكون حلالاً للمسلمين ؛ وإن كان مخللاً بفعل آدمي ، لأنه مخلل بفعل آدمي يعتقد تحليله ". انتهى من " الشرح الممتع" (10 / 53) .
والخلاصة :
إذا تبين أن هذا الشراب خالٍ من الكحول فلا حرج من شربه ، وكذلك إذا تمت معالجة الخمر لنزع الكحول منها من قبل من يعتقد جواز ذلك ، مع التنبه إلى أن هذه المعالجة مما يحرم على المسلم القيام بها على أرجح الأقوال .
والله أعلم .
تعليق