الحمد لله.
أولاً:
الناظر على الوقف له أن يأخذ أجرة مقابل عمله ورعايته للوقف .
فإذا كان الواقف قد نص على شيء معين له فهو له ، وإن لم يحدد له أجرة فالمرجع في تحديدها إلى القاضي الشرعي ، فإن تعذر وجود قضاء شرعي في البلد ، فعلى الناظر أن يتحرى العدل بقدر الإمكان ، وينبغي أن يستشير العقلاء وأهل العلم والخبرة حتى يكون أقرب إلى العدل ، وأبعد عن الظلم وأكل المال الحرام .
وقد جاءت السنة بجواز أخذ
الواقف أجرة على عمله .
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : (لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِى دِينَارًا ، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ
نِسَائِى وَمُؤْنَةِ عَامِلِى فَهْوَ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (2624) – وبوَّب عليه
: باب نفقة القيِّم للوقف - ومسلم (1760) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وهو دال على مشروعية أجرة العامل على الوقف ، والمراد بالعامل في هذا الحديث :
القيم على الأرض ، والأجير ، ونحوهما" انتهى من "فتح الباري" (5/406) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية"
(44/210) :
"ذهب الفقهاء على أن الناظر على الوقف يستحق أجرة نظير قيامه بإدارة الوقف والعناية
بمصالحه" انتهى .
وفيها أيضاً (44/211) :
"أجرة الناظر إما أن تكون مشروطة من قبل الواقف ، أو مقدرة من قبل القاضي .
فإن كانت الأجرة مشروطة من قبل الواقف : فإن الناظر يأخذ ما شرطه له الواقف ولو كان
أكثر من أجر مثله ، وهذا ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والحنابلة .
ونص الحنفية على أنه لو عين له الواقف أقل من أجر المثل فللقاضي أن يكمل له أجر
مثله بطلبه" انتهى .
ثانياً:
يجوز للناظر أن يأكل من غلة الوقف بالمعروف ، وذلك بالقدر الذي جرت به العادة ،
ويجوز له إطعام صديقه وضيفه منها ، ولا يجوز له أن يتمول من تلك الغلَّة لا لنفسه
ولا لضيفه ولا لصديقه ، ومعنى التمول : التجميع والتخزين ، أو البيع وكسب المال من
الغلة .
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ
أَرْضًا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَصَبْتُ
أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟
قَالَ : (إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا) فَتَصَدَّقَ عُمَرُ
أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ ، فِي الْفُقَرَاءِ
وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ ،
لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ
يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ . رواه البخاري (2620) ومسلم (1632) .
قال أبو العباس القرطبي رحمه
الله :
"وقوله : (لا جناح على من ولِيها أن يأكل منها بالمعروف) هذا رفع للحرج عن الوالي
عليها ، والعامل في تلك الصَّدقة في الأكل منها ، على ما جرت عادة العمَّال في
الحيطان من أكلهم من ثمرها حالة عملهم فيها ، فإن المنع من ذلك نادر ، وامتناع
العامل من ذلك أندر ، حتى إنه لو اشترط رب الحائط على العامل فيه ألا يأكل
لاستُقْبِح ذلك عادةً وشرعاً .
وعلى ذلك : فيكون المراد بالمعروف : القدْر الذي يدفع الحاجة ، ويردُّ الشَّهوة ،
غير أكل بسرفٍ ، ولا نَهْمةٍ ، ولا متخذًا خيانة ولا خُبْنَة" انتهى .
"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (4/602 ، 603) .
الحيطان : البساتين .
الخبنة : ما يُحمل في الحِضن أو تحت الإبط .
وقال المباركفوري رحمه الله :
(غير متمول فيه) أي مدخر .
"تحفة الأحوذي" (4/521) .
وقال الصنعاني رحمه الله :
ولا يأخذ من غلَّتها ما يشتري بدله ملكاً ، بل ليس له إلا ما ينفقه .
" سبل السلام " ( 3 / 88 ) .
ثالثاً:
إذا لم يحدد الواقف جهة لصرف الوقف ، فوقفه صحيح عند جمهور العلماء ، خلافاً
للشافعية الذين قالوا ببطلانه ، وقد اختلف المصححون له في أوجه صرفه :
فأبو يوسف – من الحنفية – يقول : بأنه يُصرف إلى الفقراء .
وعند المالكية : يُصرف الوقف بحسب غالب الوقف في بلاد الواقف ، فإن لم يوجد غالب
فيُصرف للفقراء .
وعند الحنابلة يُصرف الوقف إلى ورثة الواقف نسباً على قدر إرثهم ، ويكون وقفاً
عليهم فلا يملكون نقل الملك في رقبته ، فإن عُدموا : فيُصرف للفقراء والمساكين
وقفاً عليهم .
واختار ابن قدامة رحمه الله أنه يصرف إلى الفقراء ، فإن كان في أقارب الواقف فقراء
فهم أحق به .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (44/149 ، 150) ، و "أبحاث هيئة كبار العلماء" (5/95) .
وعلى هذا ، فهذا الوقف يصرف
إلى أقارب الواقف الفقراء ، فإن فضل عنهم أو لم يكن أحد من أقاربه فقراء صرف إلى
غيرهم من فقراء المسلمين ، وذلك لأن الفقراء هم مصرف الصدقات .
والله أعلم.
تعليق