الحمد لله.
أولاً :
هذا الحديث يُروى عن الصحابي الجليل معاوية بن حيدة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أَتَرعُونَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ ! اذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ كَي يَعْرِفَهُ النَّاسُ وَيَحْذَرَهُ النَّاسُ ).
رواه ابن أبي الدنيا في " الغيبة " (رقم/84)، والعقيلي في " الضعفاء " (1/202)، وابن حبان في " المجروحين " (1/220)، والطبراني في " المعجم الكبير " (19/418) ، وابن عديّ في " الكامل " (2/173)، والبيهقي في " السنن الكبرى " (10/210) وغيرهم كثير :
جميعهم من طريق أبي الضحاك الجارود بن يزيد ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، به .
وهذا إسناد ضعيف جداً بسبب الجارود بن يزيد :
جاء في ترجمته في " ميزان الاعتدال " (2/108) :
" كذبه أبو أسامة ، وضعفه علي ، وقال يحيى : ليس بشيء . وقال أبو داود : غير ثقة . وقال النسائي والدارقطني : متروك . وقال أبو حاتم : كذاب " انتهى.
وقد تواردت نصوص أهل العلم
على التصريح بضعف هذا الحديث :
قال الإمام أحمد رحمه الله :
" هذا حديث منكر " انتهى.
نقله في " الكامل " لابن عدي (2/173)
وقال العقيلي رحمه الله :
" ليس له من حديث بهز أصل ، ولا من حديث غيره ، ولا يتابع عليه " انتهى.
" الضعفاء الكبير " (1/202)
وقال ابن حبان رحمه الله :
" والخبر في أصله باطل ، وهذه الطرق كلها بواطيل لا أصل لها " انتهى.
" المجروحين " (1/221)
وقال الإمام البيهقي رحمه الله :
" فهذا حديث يعرف بالجارود بن يزيد النيسابورى ، وأنكره عليه أهل العلم بالحديث .
سمعت أبا عبد الله الحافظ يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ غير مرة
يقول : كان أبو بكر الجارودى إذا مر بقبر جده يقول : يا أبت ! لو لم تحدث بحديث بهز
بن حكيم لزرتك " انتهى.
" السنن الكبرى " (10/210)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ليس هو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه مأثور عن الحسن البصري أنه قال
: أترغبون عن ذكر الفاجر ، اذكروه بما فيه يحذره الناس " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (28/219)
وقال السخاوي رحمه الله :
" لا يصح " انتهى.
" المقاصد الحسنة " (ص/563)
وقال الألباني رحمه الله :
" موضوع " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/583)
ثانياً :
أما قول أبي إسماعيل الهروي رحمه الله :
" هذا حديث حسن من حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده ،
وقد توبع جارود بن يزيد عليه ، وزعم بعض الناس أن حديث بهز تفرد به وقد وهم "
انتهى.
" ذم الكلام وأهله " (4/204-206)
فهو كلام غير مقبول ؛ لأن المتابعات المذكورة للجارود إنما هي سرقات للحديث ، وطرق
منكرة مكذوبة ، والضعيف لا يتقوى بمثل ذلك ، وهذا من الشروط المهمة في أبواب تقوية
الحديث الضعيف ، وقد بين العلماء أسماء الذين سرقوا الحديث ، وأكدوا أن مثل هذه
المتابعات لا تقوي الحديث .
قال ابن حبان رحمه الله :
" وأما حديث بهز بن حكيم فما رواه عن بهز بن حكيم إلا الجارود هذا .
وقد رواه سليمان بن عيسى السجزي عن الثوري عن بهز ، قدم نيسابور فقيل له : إن
الجارود يروي هذا الحديث عن بهز ؟ فقال : حدثنا سفيان الثوري عن بهز ، فصار حديثه ،
وسليمان بن عيسى يؤلف في الروايات .
واتصل هذا الخبر بعمرو بن الأزهر الحراني وكان مطلق اللسان فرواه عن بهز بن حكيم .
ورواه العلاء بن بشر لما اتصل عن ابن عيينة عن بهز ، وقلب متنه .
ورواه شيخ من أهل الأبلة يقال له نوح بن محمد ، رأيته وكان غير حافظ للسانه ، عن
أبي الأشعث ، عن معتمر عن بهز " انتهى.
" المجروحين " (1/220-221)
وقال الدارقطني رحمه الله :
" هذا حديث الجارود عن بهز وضعه عليه ، وسرقه منه عمرو بن الأزهر ، فحدث به عن بهز
، وعمرو كذاب .
وسرقه منه سليمان بن عيسى وكان دجالا فرواه عن الثوري عن بهز .
وسرقه شيخ يعرف بالعلاء بن بشر فرواه عن سفيان بن عيينة عن بهز ، وابن عيينة لم
يسمع من بهز شيئا ، وغيَّر لفظه فقال : ليس للفاسق غيبة " انتهى.
نقله ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (2/295)
وقال الإمام البيهقي رحمه الله :
" وقد سرقه عنه جماعة من الضعفاء فرووه عن بهز بن حكيم ، ولم يصح فيه شيء " انتهى.
" السنن الكبرى " (10/210)
وقال أيضا رحمه الله :
" هذا حديث يُعد في أفراد الجارود بن يزيد ، عن بهز ، وقد روي عن غيره وليس بشيء ،
وهو إن صح فإنما أراد به فاجراً معلنا بفجوره ، أو فاجراً يأتي بشهادة ، أو يعتمد
عليه في أمانة فيحتاج إلى بيان حاله لئلا يقع الاعتماد عليه ، وبالله التوفيق "
انتهى.
" شعب الإيمان " (12/166)
وقال ابن عدي رحمه الله :
" وقد سرق من الجارود ضعفاء مثل عمرو بن الأزهر وغيره " انتهى.
" الكامل " (3/289)
وقال أيضاً :
" وهذا يعرف بالجارود بن يزيد ، وقد رواه عمرو بن الأزهر وغيره عن بهز بن حكيم عن
أبيه عن جده ، وروي عن الثوري من رواية ضعيف عنه ، وكل من روى هذا الحديث فهو ضعيف
" انتهى.
" الكامل " (5/134)
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله :
" روي أيضا عن سفيان الثوري ، والنضر بن شميل ، ويزيد بن أبي حكيم ، عن بهز ، ولا
يثبت عن واحد منهم ذلك ، والمحفوظ أن الجارود تفرد برواية هذا الحديث " انتهى.
" تاريخ بغداد " (7/262)
ثالثاً:
وأما ذكر الفاسق ، بما فيه فإنما يباح حيث كان متعالناً بفسقه ، مجاهرا به ، لا
يبالي بما يظهر منه للناس ، فمثل هذا يحذر من حاله ، وينهى عن منكره ، ولو كان بذكر
ما هو فيه من الفسق والفجور ، فهو الذي أسقط حرمة نفسه ؛ لكن على ألا يحمل عليه غير
ما يفعل ، أو يفضح بأمر استسرّ هو به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" – ليس - للمعلن بالبدع والفجور غيبة ، كما روي ذلك عن الحسن البصري وغيره ؛ لأنه
لما أعلن ذلك استحق عقوبة المسلمين له ، وأدنى ذلك أن يذم عليه لينزجر ويكف الناس
عنه وعن مخالطته ، ولو لم يذم ويذكر بما فيه من الفجور والمعصية أو البدعة لاغتر به
الناس ، وربما حمل بعضهم على أن يرتكب ما هو عليه ، ويزداد أيضاً هو جرأة وفجوراً
ومعاصي ، فإذا ذكر بما فيه انكف وانكف غيره عن ذلك وعن صحبته ومخالطته .
قال الحسن البصري : ( أترغبون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه كي يحذره الناس ) وقد
روي مرفوعاً .
و " الفجور " اسم جامع لكل متجاهر بمعصية أو كلام قبيح يدل السامع له على فجور قلب
قائله ، ولهذا كان مستحقاً للهجر إذا أعلن بدعة أو معصية أو فجوراً أو تهتكاً أو
مخالطة لمن هذا حاله بحيث لا يبالي بطعن الناس عليه " انتهى باختصار.
" مجموع الفتاوى " (15/285-286)
وينظر جواب السؤال رقم (138629)
.
والله أعلم
تعليق