الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم قول \" لعمرك \"

150212

تاريخ النشر : 21-08-2010

المشاهدات : 87024

السؤال

ما حكم قول : " لعمري " ، أو " لعمرك "، هل هي قسم بحيث القسم بغير الله شرك ، قال تعالى : (  لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) هل في الآية السابقة قسم ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
اختلف أهل العلم في حكم قول المسلم " لعمري "، أو " لعمرك "، وذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : الجواز ، وهو قول أكثر أهل العلم ، بل ما زال العلماء يستعملون هذه الكلمات في كتبهم وخطاباتهم .
قال إسحاق الكوسج :
" قلت - أي للإمام أحمد - : يكره لعمري ، ولعمرك ؟
قال : ما أعلم به بأساً " انتهى.
" مسائل الكوسج " (2/214)
والتوجيه الصحيح للقول بالجواز أن كلمة : " لعمري "، أو " لعمرك " وإن كانت في صيغتها وأصلها يمينا ، إلا أنها صارت من الكلمات الجارية على اللسان العربي ، ولا يراد بها حقيقة القسم بغير الله تعالى ، وهذا مشهور في لغة العرب ، حيث تشتمل على كثير من الكلمات التي لا يراد حقيقتها ، كمثل : تربت يمينك ، أو ثكلتك أمك ، أو نحو ذلك من العبارات التي ظاهرها الدعاء ولا يراد منها ذلك ، وقد أخرج الطبري بسند حسن في " جامع البيان " (17/118) عن قتادة قوله : ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) : هي كلمة من كلمات العرب . ( لفي سكرتهم ) : أي : في ضلالهم . يعمهون : أي : يلعبون .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
" والتوجيه أن يقال : إن أراد القسم : مُنع .
وإلا فلا ، كما يجري على اللسان من الكلام مما لا يراد به حقيقة معناه ، كقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : ( عَقْرَى حَلْقَى ) الحديث . والله أعلم " انتهى.
" معجم المناهي اللفظية " (ص/471)
وهذا التوجيه هو نفسه الذي يذكره العلماء في شرحهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ ) رواه مسلم (رقم/11)

ويمكن الاستدلال لهذا القول بأدلة كثيرة ، منها :
1- ثبوت هذا اللفظ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ : أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : إِنَّكَ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ ، فَارْقِ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ . فَأَتَوْهُ بِرَجُلٍ مَعْتُوهٍ فِي الْقُيُودِ ، فَرَقَاهُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ، وَكُلَّمَا خَتَمَهَا جَمَعَ بُزَاقَهُ ثُمَّ تَفَلَ ، فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ ، فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَهُ لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلْ فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةٍ بَاطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ )
رواه أبو داود (رقم/3420) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
2- كما ورد إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لمن تكلم بهذه الكلمة .
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ قَالَ :" نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، فَقَالَ لِي أَهْلِي : اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ . فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مِنْ حَاجَتِهِمْ .
فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ)، فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ وَهُوَ يَقُولُ : لَعَمْرِي إِنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْتَ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ ، مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا).
قَالَ الْأَسَدِيُّ : فَقُلْتُ : لَلِقْحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا .
قَالَ : فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ ، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ شَعِيرٌ وَزَبِيبٌ فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ حَتَّى أَغْنَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " .
رواه أبو داود (رقم/1627)، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
3- وقد ثبت عن نحو سبعة من الصحابة أنهم قالوا في معرض كلامهم : " لعمري "، أو " لعمرك ".
يقول الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله :
" صح عن بعض أصحابه رضي الله عنهم التفوه بها ، منهم : ابن عباس ، وعثمان ابن أبي العاص ، وعائشة أم المؤمنين ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وأبوعبيدة ابن الجراح ، وغيرهم رضي الله عنهم ، وكذلك صح عن التابعين لهم بإحسان استعمالها ، منهم : عطاء ، وقتادة ، وغيرهما " انتهى.
" الإعلان بأن لعمري ليست من الأيمان " – ضمن " رسائل في العقيدة " للشيخ حماد الأنصاري رحمه الله – (ص/113).
ومن أحب الاطلاع على نصوص هذه الآثار فليرجع إلى رسالة الشيخ حماد رحمه الله .

القول الثاني : التحريم ؛ باعتبارها حلفا بغير الله .
جاء في "مصنف ابن أبي شيبة " (3/79) :
" حدثنا ابن مهدي ، عن أبي عوانة ، عن إسماعيل بن هشام ، عن القاسم بن مخيمرة ، قال : ما أبالي حلفت بحياة رجل أو بالصليب " انتهى.
وجاء أيضا (3/80) :
" حدثنا محمد بن فضيل ، عن العلاء ، عن أبيه قال : قال كعب : إنكم تشركون . قالوا : وكيف يا أبا إسحاق ؟ قال : يقول أحدكم : لا لعمري ، لا وحياتك " انتهى.
يقول ابن العربي المالكي رحمه الله :
" قدمنا أن الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه .
وليس لخلقه أن يقسموا إلا به ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ) - متفق عليه -.
فإن أقسم بغيره فإنه آثم ، أو قد أتى مكروها على قدر درجات القسم وحاله .
وقد قال مالك : إن المستضعفين من الرجال والمؤنثين منهم يقسمون بحياتك وبعيشك ، وليس من كلام أهل الذكر .
وإن كان الله أقسم به في هذه القصة ، فذلك بيان لشرف المنزلة وشرف المكانة ، فلا يحمل عليه سواه ، ولا يستعمل في غيره .
وقال قتادة : هو من كلام العرب ، وبه أقول ؛ لكن الشرع قد قطعه في الاستعمال ، ورد القسم إليه . وقد بيناه في "الأصول" وفي "مسائل الخلاف" " انتهى.
" أحكام القرآن " (3/89)
ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) -:
" قوله تعالى : ( لعمرك ) معناه : أقسم بحياتك ، والله جل وعلا له أن يقسم بما شاء من خلقه ، ولم يقسم في القرآن بحياة أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك من التشريف له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى . ولا يجوز لمخلوق أن يحلف بغير الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ) ، وقوله : لعمرك ، مبتدأ خبره محذوف ، أي لعمرك قسمي " انتهى.
" أضواء البيان " (2/189) .

القول الثالث : الكراهة ؛ لما يخشى أن يكون فيه شبه من الحلف بغير الله ، أو ذريعة للوقوع بذلك .
جاء في " مصنف ابن أبي شيبة " (3/80) : " حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم أنه كره أن يقول لعمري " انتهى.
ورواه عبد الرزاق في " المصنف " (8/471) قال : " أخبرنا معمر ، عن مغيرة ، عن إبراهيم أنه كان يكره ( لعمرك )، ولا يرى بـ ( لعمري ) بأسا " انتهى.
وقال إسحاق بن راهويه رحمه الله :
" تركُه أسلم ؛ لما قال إبراهيم : ( كانوا يكرهون أن يقولوا : لعمر الله ) " انتهى.
" مسائل الكوسج " (2/215)
وقال القرطبي رحمه الله - في تفسيره عند قوله تعالى : ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الحجر/72- : " كره كثير من العلماء أن يقول الإنسان : لعمري ؛ لأن معناه : وحياتي " انتهى باختصار.
" الجامع لأحكام القرآن " (10/40)

والراجح من الأقوال السابقة هو القول الأول ؛ أن جريان مثل ذلك التعبير في الكلام لا حرج فيه ، وأنه لا يراد به حقيقة القسم ، لقوة أدلتهم ، وضعف أدلة الأقوال الأخرى .

ثانيا :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى – في تفسير قوله تعالى : ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الحجر/72 -:
" أكثر المفسرين من السلف والخلف ، بل لا يعرف عن السلف فيه نزاع ، أن هذا قسم من الله بحياة رسوله ، وهذا من أعظم فضائله ، أن يقسم الرب عز وجل بحياته ، وهذه مزية لا تعرف لغيره .
ولم يوافق الزمخشري على ذلك ، فصرف القسم إلى أنه بحياة لوط ، وأنه من قول الملائكة فقال : هو على إرادة القول ، أي : قالت الملائكة للوط عليه الصلاة والسلام : لعمرك إنهم في سكرتهم يعمهون .
وليس في اللفظ ما يدل على واحد من الأمرين ، بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على ما فهمه السلف ، لا أهل التعطيل والاعتزال .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( لعمرك ) أي : وحياتك . قال : وما أقسم الله تعالى بحياة نبي غيره " انتهى.
" التبيان في أقسام القرآن " (ص/429) .

وكون ذلك قسما من الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم ، لا يشكل على ما تقرر من تحريم الحلف بغير الله تعالى ؛ فإن ذلك التحريم إنما هو في حق العباد ؛ وأما الله جل جلاله فهو يقسم من خلقه بما شاء ، سبحانه ، كما مر ذلك في كلام غير واحد من أهل العلم .
قال الشوكاني رحمه الله :
" وقد كره كثير من العلماء القسم بغير الله سبحانه ، وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة في النهي عن القسم بغير الله ، فليس لعباده أن يقسموا بغيره . وهو سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ الأنبياء/23 " انتهى من "فتح القدير" (4/189) .
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب ، رحمه الله :
" قوله : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) : هذا قسم من الله عز و جل ، يقسم بما شاء من خلقه ؛ وهو دليل على عظمة المقسم به وتشريفه " . انتهى من "تيسير العزيز الحميد" (405) .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب