الحمد لله.
أولاً:
لا شك أن هذه القصة باطلة ولا أصل لها من جهة ، ومحرَّم نشرها من جهة أخرى ، فقد احتوت على استهزاء بالقرآن الكريم وقبح في الاستعمال لآياته في غير موضعها ، ولو عقل أولئك الذين ينشرونها منزلة القرآن وقدَروا الله حقَّ قدْره لنزَّهوا كتاب الله أن يستعمل في حوار بين أجنبي فاجر يتغزل بجمال امرأة أجنبية عنه ويساومها على نفسها ! .
وإنَّ جعْل القرآن بدلاً من الكلام فيه انتقاص لكلام الله تعالى ، وإذا كان ذلك على وجه العموم ، بمعنى أنه يجعل القرآن مكان كلامه في أي شيء ، إذا قدر أن هذا يحدث في الواقع ، أو كان مستعملا في السياق الوارد في السؤال ونحوه : فلا يشك في تحريمه من يعظم القرآن في قلبه ؛ بل قد نص غير واحد من أهل العلم على تحريم استعمال القرآن بدلا من الكلام مطلقا .
قال الشيخ مصطفى الرحيباني – رحمه الله - :
( وحرُم جعل القرآن بدلا من الكلام مثل أن يرى رجلا جاء في وقته فيقول ! ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ! فلا ) يجوز أن ( يُستعمل ) القرآن ( في غير ما هو له ) لما فيه من التهاون وعدم المبالاة بتعظيمه واحترامه ، ( وقال الشيخ ) تقي الدين – أي : ابن تيمية - : ( إن قرأ عندما يناسبه فحسن كقول من دعي لذنب تاب منه : مَا يَكُونُ لَنَا أَن نَتَكَلَّم بِهَذا ! وكقوله عند إصابته ( وعند ) ما ( أهمَّه : إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلى الله ، و ) كقوله ( لمن استعجله : خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَل فهذا وأمثاله مما هو مناسب لمقتضى الحال جائز ؛ لأنه لا تنقيص فيه.
" مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " ( 1 / 607 ) .
وهو الحكم نفسه الذي يقال في القصة المشهورة للمرأة التي أُطلق عليها " المتكلمة بالقرآن " .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
وقد سمعنا أن واحداً من الناس قال : أنا لن أتكلم بكلام الآدميين أبداً ، لا أتكلم إلا بكلام الله فإذا دخل إلى بيته وأراد من أهله أن يشتروا طعاماً قال : ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) الكهف/ 19 .
وقد قال أهل العلم : يحرم جعل القرآن بدلاً من الكلام ، وأنا رأيت زمن الطلب قصة في جواهر الأدب عن امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن ، وتعجب الناس الذين يخاطبونها ، فقال لهم من حولها : لها أربعون سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيغضب عليها الرحمن .
نقول : هي زلَّت الآن ! فالقرآن لا يُجعل بدلاً من الكلام ، لكن لا بأس أن يستشهد الإنسان بالآية على قضية وقعت ، كما يذكر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يخطب فخرج الحسن والحسين يمشيان ويعثران بثياب لهما فنزل فأخذهما ، وقال : ( صدق الله : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ) التغابن/ 15 .
فالاستشهاد بالآيات على الواقعة إذا كانت مطابقة تماماً لا بأس به .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 6 / 531 ) .
وأما الاقتباس المناسب من آيات القرآن في موضعه اللائق به في الكلام ، فقد سبق الكلام عنه وعن ضوابطه في جوابي السؤالين ( 127745 ) و ( 119673 ) .
ثانياً:
أما بخصوص ذلك الحوار المنتشر في المنتديات بكثرة – وللأسف – فهو قبيح للغاية ، ولا يشك في تحريمه أحدٌ شمَّ رائحة العلم ؛ ففي الحوار المزعوم : نظر محرَّم من الطرفين ، وطلب لمس المرأة ، ومساومة على الفاحشة بدفع ثمن مقابلها ، ثم لعن الذكور جميعاً ، وكل ذلك – وغيره من الأشياء المنكرة - استُدل عليه بآيات من كتاب الله تعالى ! أفيليق بمسلم عاقل أن يفرح لهذا الحوار وينشره في الآفاق وهو مشتمل على تسويق تلك المحرمات والمنكرات بآيات من كتاب الله تعالى ؟! .
وعليه : فالواجب تحذير المواقع الإلكترونية من نشر تلك القصة الباطلة وما تحويه من مخالفة للشرع ظاهرة ، ويجب على المستطيع أن يُنكر على من نشر تلك القصة ، ويطلب منه حذفها وتحذير الناس منها ، مع بيان السبب الداعي لهذا ، وإذا تطوع أحد فنشر جوابنا هذا في تلك المواقع – التي يكون مسجِّلاً فيها - فيكون قد أحسن غاية الإحسان ، ويكون أبرأ ذمته .
والله أعلم
تعليق