الحمد لله.
لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها ؛ لثبوت النهي عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَارِ حَتَّى يَبدُوَ صَلَاحُهَا ، نَهَى البَائِعَ وَالمُبتَاعَ – أي المشتري -) رواه البخاري (2194) ومسلم (1534).
وحكمة النّهي عن بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه هي خوف تلف الثّمرة ، وحدوث العاهة لها قبل أخذها ، فإنه يكثر تعرض الثمرة للآفات قبل بدو صلاحها ، وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَرَأَيتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثّمَرَةَ ، بِمَ يَأخُذُ أَحَدُكُم مَالَ أَخِيهِ ؟ ) رواه البخاري (1488) ومسلم (1555) .
والمراد ببدو الصلاح أول ظهوره وبدايته ، بحيث تكون الثمرة صالحة للأكل ، وقد روى مسلم (1536) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطعَمَ ) وفي رواية : ( حَتَّى تَطِيبَ ) .
واستثنى العلماء من هذا النهي صوراً منها :
1- إذا بيعت الثمرة مع أصلها ، أو بيع الزرع مع الأرض ، فلا يشترط بدو الصلاح في الثمر والزرع .
قال ابن قدامة رحمه الله : " أن يبيعها مع الأصل , فيجوز بالإجماع ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر , فثمرتها للذي باعها , إلا أن يشترط المبتاع ) . ولأنه إذا باعها مع الأصل حصلت تبعا في البيع , فلم يضر احتمال الغرر فيها , كما احتملت الجهالة في بيع اللبن في الضرع مع بيع الشاة , والنوى في التمر مع التمر , وأساسات الحيطان في بيع الدار " انتهى من "المغني" (4/ 72).
2- إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع في الحال ، إذا كان ينتفع بها ، كالحصرم ، فإنه يستعمل في الطبخ وغيره .
قال ابن قدامة رحمه الله : " القسم الثاني : أن يبيعها بشرط القطع في الحال , فيصح بالإجماع ; لأن المنع إنما كان خوفا من تلف الثمرة , وحدوث العاهة عليها قبل أخذها ; بدليل ما روى أنس , أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو . قال : أرأيت إذا منع الله الثمرة , بم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ . رواه البخاري . وهذا مأمون فيما يقطع , فصح بيعه كما لو بدا صلاحه " انتهى من "المغني" (4/ 72).
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله في "مغني المحتاج" (2/ 496) : " ( وقبل الصلاح إن بيع منفردا عن الشجر لا يجوز ) أي لا يصح البيع , ويحرم للخبر المذكور ( إلا بشرط القطع ) في الحال , وهو معنى قول ابن المقري : منجّزا ( وأن يكون المقطوع منتفعا به ) كلوز وحصرم وبلح , فيجوز حينئذ بالإجماع المخصص للخبر السابق ... ولو باع بشرط القطع ورضي البائع بإبقائه جاز , ولو أبقاها مدة ثم قطعها لزمته أجرتها إن كان البائع طالبه , وإلا فلا , قاله الخوارزمي , والشجرة أمانة في يد المشتري لتعذر تسليم الثمرة بدونها " انتهى .
وما ذكره الخطيب الشربيني في مسألة : لو باع بشرط القطع ورضي البائع بإبقائه ، مخالف لما ذهب إليه غيره ، فللحنابلة في ذلك روايتان ، إحداهما وهي المذهب : بطلان البيع .
قال في "الإنصاف" (5/ 71) : " للقول بالبطلان مأخذان : أحدهما : أن تأخيره محرم لحق الله ، فالبيع باطل ؛ كتأخير القبض في الربويات , ولأنه وسيلة إلى شراء الثمرة وبيعها قبل بدو صلاحها . وهو محرم . ووسائل المحرم ممنوعة . المأخذ الثاني : أن مال المشتري اختلط بمال البائع قبل التسليم على وجه لا يتميز منه . فبطل به البيع . كما لو تلف " انتهى .
وقال في "كشاف القناع" (3/ 284) : " لأن صحة ذلك يجعله ذريعة إلى الحرام ، ووسائل الحرام حرام كبيع العينة ، وقد عاقب الله تعالى أهل السبت بصنيعهم " انتهى .
وينظر : الشرح الممتع (9/ 30).
وتبين بهذا :
1- أنه يجوز بيع ورق العنب بمفرده ، إذا كان ينتفع به كذلك .
2- أنه يجوز بيعه مع العنب ، بشرط قطع العنب في الحال إذا كان حصرما ، لأنه ينتفع به وهو كذلك .
3- أنه يجوز بيع العنب قبل بدو صلاحه إذا بيع مع شجره .
4- لا يجوز بيع العنب قبل بدو صلاحه بدون شرط القطع ، أو بدون شجره .
وبالإمكان التغلب على الصعوبة المذكورة في بيع الورق لوحده ، بأن يقوم صاحب البستان بقطع الورق بنفسه ، ثم بيعه بعد ذلك مقطوعا ، لكي يحافظ على ثمر العنب أثناء قطعه ، ويبقي له من الورق ما يحفظه .
والله أعلم .
تعليق