الحمد لله.
أولا :
ما قاله لك زوجك : ( جعلت أمر طلاقك بيدك ، لمدة سنتين .. ) هو تفويض صحيح ، وتوكيل لك بالطلاق في هذه المدة ، وقد طلقت نفسك بالفعل ، فتقع عليك هذه الطلقة .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه ، وبين أن يوكل فيه ، وبين أن يفوضه إلى المرأة ويجعله إلى اختيارها . بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترنه .
ومتى جعل أمر امرأته بيدها فهو بيدها أبدا ، لا يتقيد ذلك بالمجلس . روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الحكم و أبو ثور و ابن المنذر" انتهى من "المغني" (8/288) .
وقال النووي رحمه الله :
" يصح توكيل المرأة في طلاق غيرها على الأصح ، كما يصح أن يفوض إليها طلاق نفسها". (روضة الطالبين) (4/299) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29/45) :
"الطَّلاَقُ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ قَوْلِيٌّ ، وَهُوَ حَقُّ الرَّجُل كَمَا تَقَدَّمَ ، فَيَمْلِكُهُ وَيَمْلِكُ الإِْنَابَةَ فِيهِ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ الأُْخْرَى الَّتِي يَمْلِكُهَا ، كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ . . . فَإِذَا قَال رَجُلٌ لآِخَرَ : وَكَّلْتُكَ بِطَلاَقِ زَوْجَتِي فُلاَنَةَ ، فَطَلَّقَهَا عَنْهُ ، جَازَ ، وَلَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ نَفْسِهَا : وَكَّلْتُكِ بِطَلاَقِ نَفْسِكِ ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ، جَازَ أَيْضًا ، وَلاَ تَكُونُ فِي هَذَا أَقَل مِنَ الأَْجْنَبِيِّ .. " انتهى .
وينظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/285) وما بعدها ، الروض المربع وحاشيته (6/492) ، كشاف القناع (4/210، 224) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما هو الدليل من الكتاب والسنة حول جواز كون الطلاق بيد الزوجة؟
فأجابت :
"الأصل في الطلاق أن يكون بيد الزوج ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ، لكن إذا وكل الزوج زوجته على طلاق نفسها ، ثم أوقعت الطلاق- وقع الطلاق" . انتهى من "فتاوى اللجنة" (20/11-12) .
فتبين بما سبق أن الطلقة التي فوضك فيها زوجك قد وقعت عليك ، وهي طلقة واحدة ، فإن كان زوجك طلقك قبلها طلقتين فقد استنفذ ما له من الطلاق ، وإن كان طلقك قبلها واحدة فقط، فقد بقي له طلقة واحدة .
ثانيا :
ما ذكرته لك صاحبتك غير صحيح ، بل عكس ذلك هو الصحيح .
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
هل تجوز أن تكون العصمة بيد المرأة طلاق زوجها ؟
فأجابوا :
"الأصل أن الطلاق بيد الزوج ، ومن يفوض إلى ذلك من طريق الزوج ، هذا إذا كان الزوج أهلا لصدور الطلاق منه ، وأما إذا لم يكن أهلا فإن وليه يقوم مقامه .
وإذا فوض الزوج إلى زوجته أن تطلق نفسها منه فلها أن تطلق نفسها منه ما لم يفسخ الوكالة. وأما جعل الزوج العصمة بيد الزوجة بشرط في العقد ؛ متى شاءت طلقت نفسها : فهذا الشرط باطل ؛ لكونه يخالف مقتضى العقد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)" انتهى من" فتاوى اللجنة"(20/10) .
ثالثاً :
إذا كان والدك يسب الدين ، ويكفر بالله تعالى : فقد سقطت ولايته الشرعية عليك ، ولم يعد أهلا لأن يعقد لك نكاحك ؛ لكنك أيضا أخطأت بتفويض أمر تزويجك لأحد أصدقاء زوجك ؛ وإنما كان الواجب أن يتولى تزويجك أحد عصبتك التالين لأبيك في ترتيب الأولياء ؛ إما جدك ، أو أخوك ، أو عمك ، وهكذا . ولا يحل لك أن تزوجي نفسك ، ولا أن توكلي أحدا في تزويجك ، غير عصبتك الذين جعل الشرع لهم الولاية عليك في تزويجك .
وينظر جواب السؤال رقم : (99696) .
لكن إذا كان العمل في بلادكم على المذهب الحنفي الذي يسمح بأن تزوج المرأة نفسها ، ولم تكوني على علم بتحريم ذلك : فنكاحكما السابق صحيح ، ونرجو ألا يكون عليكما فيه إثم.
رابعاً :
التصريح بأن التزويج إنما تم على المذهب الحنفي ، كما هو وارد في السؤال ، وكما يقوله مأذونو الأنكحة في كثير من البلدان ، لا يترتب عليه أي حكم شرعي بالنسبة للنكاح ؛ ولا يلزمهما اتباع المذهب الحنفي ، وإنما المرجع في ذلك كله إلى ما دل عليه الدليل الشرعي ، ولا يعني هذا أيضا بطلان النكاح ، أو خللا فيه ، وهو أشبه باللغو منه بالشروط الشرعية المعتبرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومن قال : فلانة كلما تزوجتها على مذهب مالك ، فهي طالق ؛ فهذا التزام مذهب بعينه ؛ فلا يلزمه ، بل له أن يقلد مذهبا غيره " انتهى من "مختصر الفتاوى المصرية" (554) .
نسأل الله أن يهديك أنت وزوجك ، وأن يصلح لكما شأنكما ، وأن يوفقكما لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم .
تعليق