السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

الضوابط الشرعية لإنشاء الصحف الإلكترونية

151316

تاريخ النشر : 17-10-2010

المشاهدات : 19669

السؤال

ماذا ترى في تشغيل صحف إلكترونية؟ خاصة لو أن رئيس التحرير يكتب في حادث حقيقي من الحوادث السيئة مثل السرقة والاغتصاب فهل ليس في هذا نشر للرذيلة والشرور؟

الجواب

الحمد لله.


إنشاء " الصحف الإلكترونية " المنضبطة بالضوابط الشرعية من الأمور التي تمس الحاجة إليها في هذا الزمان ، نظرا لكثرة الصحف التي تنشر الغثاء في الأمة ، وتعمل على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين .
ولا بد لمن أراد إنشاء صحيفة الكترونية من التقيد بجملة من الضوابط الشرعية ، والتي من أهمها :
أولاً : المصداقية في نقل الأخبار ، وتحري الصحيح منها ، عملاً بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات/6] .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " والتثبت في سماع الأخبار ، وتمحيصها ونقلها وإذاعتها ، والبناء عليها ، أصل كبير نافع ".انتهى من " الفتاوى السعدية" صـ66.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) ، رواه مسلم (6) .
قال المناوي رحمه الله تعالى:"أي إذا لم يتثبت ؛ لأنه يسمع عادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب " . انتهى "فيض القدير" (5/2) .
وقال النووي: " فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان ، فانه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن ". انتهى ، "شرح النووي على صحيح مسلم" (1 / 75).
ومما يؤسف له أن أغلب وكالات الإنباء في العالم الإسلامي تجمع في أخبارها بين الغث والسمين ، دون تمحيص ولا تثبت .
وقد أخبر النبي أنه رأى فيمن يعذبون يوم القيامة رجلاً مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، ثم يُشَدُّ أَحَدُ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيَشُقُّ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، فلما سأل عنه ، قيل له: ( هذا الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ ، فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ). رواه البخاري (6096).

وهذا الحديث قد ينطبق على بعض مراسلي وكالات الأنباء، فإن بعضهم يزيد مع الخبر الصادق مائة كذبة ، فما هي إلا لحظات حتى يصبح الخبر في مشارق الأرض ومغاربها .

ثانياً : ليس كل خبر صحيح ينشر ، فكثير من الأخبار لا يصح نشرها على عامة الناس ، قال تعالى مبينا خطأ هذا المسلك: ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق ، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين ، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة ، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها .
فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك ، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته ، لم يذيعوه ، ولهذا قال : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة ". انتهى " تفسير السعدي" (1/190).
ثالثاً : تجنب نشر أخبار الفضائح ، فمنهج الشريعة قائم على الستر على المسلمين ، لا نشر أخطائهم وفظائعهم والتشهير بها على الملأ.
وفي الحديث الصحيح : (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (2262) ، ومسلم (4677) .
ومثل ذلك يقال في أخبار الفواحش والمنكرات والجرائم .
فما الفائدة التي سيجنيها المسلم من اطلاعه على أخبار الجرائم ، وحوادث القتل والنهب والخطف ، والفضائح الأخلاقية والاعتداء على الأعراض والحرمات !!
بل إن كثرة نشر مثل هذه الأخبار مدعاة لتطبيعها في نفوس الناس وإلفهم لها ، وزوال النفرة عنها من نفوسهم ، بسبب كثرة تردادها على أسماعهم ، فضلا عما في ذلك من نشر معايب المسلمين على الملأ .
قال الحافظ ابن رجب: " قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمرُ بالمعروف : اجتهد أن تستُرَ العُصَاةَ ، فإنَّ ظهورَ معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلام ". انتهى ، جامع العلوم والحكم (1/340).

رابعاً : تجنب نشر ما لا ينفع الأمة من الأخبار التافهة كأخبار الساقطين والساقطات من الممثلين والممثلات ، ونحوها من التوافه التي لا تنفع المسلم في دينه ولا دنياه.
والأولى التركيز على أخبار العالم الإسلامي مما يهم المسلمين معرفته .

خامساً : عدم نشر صور النساء بأي حال من الأحوال.

سادساً : أن تكون المقالات المنشورة في الصحيفة هادفة ، تركز على علاج مشاكل الأمة في جانب التوحيد ، أو الأخلاق والسلوك ، أو المشاكل الاجتماعية العامة ... وغيرها .

سابعاً : تجنب الأخبار التي تثير النعرات والعصبيات بين الشعوب والدول .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب