الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

هل يترك تربية الصبيان بسبب ما يحس به من نظرات الشك والريبة من حوله

152004

تاريخ النشر : 03-08-2010

المشاهدات : 22079

السؤال

مربي صبيان ، ويحتاج في تربيته لهم أن يمشي معهم في بعض الطرقات أحيانا وكذلك الذهاب معهم إلى محاضرات تربوية، وجمعهم على بعض الدروس التربوية، لكن معظم الناس ينظرون إليه بنظرات الشك والريبة بل أوصاه بعضهم بعدم تربيتهم وتدريسهم ، مع وجود الإخلاص وحسن النية ، فما الذي تشيرون به علي وفقكم الله، وقد فكرت أن أتركهم ولكن أريد رأيكم وفي أسرع وقت وفقكم الله إلى فعل الخيرات .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
ليس من شك في أن تربية الأولاد ، والعناية بالنشء الصالح هي من عظائم الأمور ، وجلائل الأعمال ، خاصة وقد كثرت في المجتمع الفتن والمغريات ، وصار إخوان الشياطين يسارعون في تلقف أبناء المسلمين ، وتربيتهم على سفاسف الأخلاق ، ورذائل الأحوال والأقوال والأفعال .
ولهذا أوصى الله عباده المؤمنين أن يحافظوا على الذرية والنش بالتربية الصالحة الموصلة إلى رضوان الله ، والمبعدة عن سخطه ونيرانه .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6 .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أدبوهم وعَلموهم .
وقال ابن عباس : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومُروا أهليكم بالذكر ، ينجيكم الله من النار .
وقال مجاهد : اتقوا الله ، وأوصوا أهليكم بتقوى الله .
وقال قتادة : يأمرهم بطاعة الله ، وينهاهم عن معصية الله ، وأن يقومَ عليهم بأمر الله ، ويأمرهم به ، ويساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية ، قَدعتهم عنها ، وزجرتهم عنها .
ينظر : "تفسير ابن كثير" (8/167) .
ثانيا :
لا يعني هذه الأهمية للدور التربوي للمعلم والمربي ، أن يضع نفسه مواضع التهم ، أو يعرض نفسه للقيل والقال لأجل ذلك ؛ بل ينبغي أن ينظر في مدى تقبل الوضع الاجتماعي لمثل هذا الدور المنشود ، وما يرجى منه من المصلحة ، وما يُخشى من ورائه من المفسدة ، ويوازن بين ذلك .
فإذا وصل الأمر إلى موضع التهمة ، ونظرات الريبة ، وانطلاق الألسنة بالقيل والقال ؛ فليس من الحكمة ولا من الشرع في شيء أن تستمر في قيامك بهذا الدور ؛ بل إن هذه الآثار السلبية توشك أن تهدم ما بنيته من المصالح ، ويوشك أن يتطاير دخان الشائعات ، والقيل والقال ، حتى يحجب كل حسنة أتيتها ، ويفسد كل ثمرة جنيتها .
وتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على سلامة القلوب من أن يقذف الشيطان فيها شيئا من الريبة أو التهمة :
روى البخاري (2038) ومسلم (2175) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا ، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا ، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ لِأَنْقَلِبَ فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي ، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَى رِسْلِكُمَا ؛ إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ !! ) .
فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ؛ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا ، أَوْ قَالَ : شَيْئًا ) .
قال النووي رحمه الله :
" وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب التَّحَرُّز مِنْ التَّعَرُّض لِسُوءِ ظَنّ النَّاس فِي الْإِنْسَان , وَطَلَب السَّلَامَة وَالِاعْتِذَار بِالْأَعْذَارِ الصَّحِيحَة , وَأَنَّهُ مَتَى فَعَلَ مَا قَدْ يُنْكَر ظَاهِره مِمَّا هُوَ حَقّ , وَقَدْ يَخْفَى , أَنْ يُبَيِّن حَاله لِيَدْفَع ظَنَّ السُّوء " انتهى من " شرح مسلم " .
وتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك أمرا ، هو طاعة محبوبة لله ، في حفظ بيته الحرام ، وتعظيم شأنه ، وبنائه على قواعد إبراهيم ، خشية المفسدة المرتبة على ذلك
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ ح و حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ روى البخاري (1586) ومسلم (1333) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : ( يَا عَائِشَةُ ؛ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا ، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَالْعَمَلُ الْوَاحِدُ يَكُونُ فِعْلُهُ مُسْتَحَبًّا تَارَةً وَتَرْكُهُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَجَّحُ مِنْ مَصْلَحَةِ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ بِحَسَبِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ . وَالْمُسْلِمُ قَدْ يَتْرُكُ الْمُسْتَحَبَّ إذَا كَانَ فِي فِعْلِهِ فَسَادٌ رَاجِحٌ عَلَى مَصْلَحَتِهِ كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاءَ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ لِعَائِشَةَ : لَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ وَلَأَلْصَقْتهَا بِالْأَرْضِ وَلَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . فَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ لِلْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ وَهُوَ حِدْثَانُ عَهْدِ قُرَيْشٍ بِالْإِسْلَامِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنْفِيرِ لَهُمْ فَكَانَتْ الْمَفْسَدَةُ رَاجِحَةً عَلَى الْمَصْلَحَةِ " انتهى من " مجموع الفتاوى" (24/195) .
والحاصل :
أنه لا ينبغي أن تعرض نفسك ، أو من معك من الفتيان ، لقالة السوء ، بل أغلق ذلك الباب عن نفسك ، ولو فات من ورائه هذه المصلحة التربوية .
واجعل إشرافك عليهم مقصورا على اللقاءات الطبيعية ، في المدرسة إن كنت مدرسا لهم ، وبإمكانك أن تعوض ما فاتك من ذلك بأن ترشد أولياءهم إلى المحاضرات المهمة ، والأنشطة التربوية النافعة ، وبإمكانهم أن يصطحبوا هم أبناءهم إليها ، أو يرسلوهم مع أحد ذويهم .
ومن الممكن ـ أيضا ـ إعطاؤهم الأشرطة النافعة لهذه المحاضرات ، أو نحو ذلك من الوسائل التي تعوضهم ما فاتهم من ذلك .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب