الحمد لله.
إذا كان الأمر على ما ذكرت من سوء العشرة مع رغبتكما في الانفصال ، فينبغي أن يتدخل أهل الخير والصلاح ممن تعرفون لإقناع الزوج بالخلع مقابل إسقاط المهر ، ودعوته إلى عدم التعنت والمضارة بالزوجة ، وإلى القيام بما يلزمه شرعا من النفقة على ابنته ورعايتها وعدم تحميل الزوجة ذلك .
فإن استجاب لذلك وخالع ، فهذا هو المطلوب ، وإن أصر على تحميل الزوجة مبالغ كبيرة ، ورعاية الطفلة ، فللقاضي الشرعي ، ومن ينوب محله كالجهة المعتمدة التي يرجع إليها الزوجان أن تلزم الزوج بالخلع مقابل التنازل عن المهر فقط .
وإلزام الزوج بالخلع في مثل هذا الظرف ، هو أحد قولي العلماء ، وهو ظاهر حديث ثابت بن قيس ، كما سيأتي .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه : " فقد وصل إلينا كتابك الذي تسترشد فيه عن المرأة إذا نشزت على زوجها ولم يمكن الملائمة بينها ، وطلبت منه مخالعتها على عوض ، وبذلت له المهر الذي بذله عليها فلم يقبل . إلخ ..
والجواب : لا يخفى أن المشهور من المذهب عدم إجبار الزوج على الخلع ، وقال في (الاختيارات) : اختلف كلام أبي العباس في وجوب الخلع لسوء العشرة بين الزوجين . إلى آخره . وقال في الفروع : واختلف كلام شيخنا (يعني شيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية رحمه الله) في وجوبه ، وألزم به بعض حكام الشام المقادسة الفضلاء إلى آخره " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (10/ 225).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : "... وإن أبى الزوج الطلاق أو رضي بالطلاق بشرط العوض وأبت المرأة تسليم العوض أخرهما القاضي مدة على حسب ما يقتضيه اجتهاده فلعلهما أن يصطلحا أو يسمح الزوج بالطلاق أو تسمح المرأة ببذل العوض ، فإن لم ينفع ذلك ، ولم تحصل الفرقة وترادا إلى الحاكم في ذلك جاز للقاضي أن يجبر الزوج على الفراق بلا عوض ، إن ظهر له ظلمه ، وإن اشتبه الأمر أجبر المرأة على تسليم العوض الذي دفع إليها الزوج ...... ، والدليل في هذا قصة ثابت بن قيس مع زوجته وقول النبي صلى الله عليه وسلم (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) رواه البخاري .
قال العلامة ابن مفلح في الفروع : وقد اختلف كلام شيخنا في وجوبه ، وقد ألزم به بعض حكام الشام المقادسة الفضلاء انتهى ، ويعني بشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية ومراده أن شيخ الإسلام أوجبه مرة ولم يوجبه أخرى ، والقول بوجوبه على الزوج هو الأقرب عندي كما تقدم ، وهو أحوط من كون القاضي يتولى ذلك ، وأحسم لمادة نزاع الزوج ، وقصة ثابت مع زوجته حجة ظاهرة في هذا ، ولله الحمد ، والله أعلم " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (21/ 256).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لا يحل للمرأة أن
تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سألت
زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة )، أما إذا كان هناك سبب شرعي
بأن كرهته في دينه، أو كرهته في خلقه، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم
الخلق والدين، فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق، ولكن في هذه الحال تخالعه
مخالعة، بأن ترد عليه ما أعطاها ثم يفسخ نكاحها.
ودليل ذلك: ( أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره
الكفر في الإسلام.
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته؟ وكان قد أصدقها حديقة.
فقالت : نعم ، يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة
وطلقها تطليقة ) فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع
زوجها فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل أن يأمره بذلك، قال بعض العلماء:
يلزم بأن يخالع؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه ؛ إذ إنه سيأتيه ما قدم لها من مهر،
وسوف يريحها.
أما أكثر العلماء فيقولون: إنه لا يلزم بالخلع، ولكن يندب إليه ويرغب فيه، ويقال
له: ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه )." انتهى من "اللقاء المفتوح" (54/
6).
وينظر : الشرح الممتع (13/ 452).
فإن كان لديكم جهة لها مرجعية ونفوذ على المسلمين
الموجودين في مدينتكم ، فلها أن تأخذ بهذا القول ، وتلزم الزوج بالخلع ، أو يقوم
أهل الصلاح والفضل بدعوته وترغيبه في الخلع ، وتذكيره بأنك قد حصلت على الطلاق منه
في الأوراق الرسمية ، وأنك عند الاضطرار قد ترجعين إلى المحكمة مرة أخرى .
وينظر في التحاكم إلى المحاكم المدنية : جواب السؤال رقم : (127179)
.
والله أعلم .
تعليق