الحمد لله.
خلق الله تعالى آدم أباً للبشر عليه السلام ، وخلق منه زوجه حواء ، ثم انتشر الناس منهما ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات/13 ، وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً ) النساء/1.
وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن الله تعالى شرع لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه ، فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر ، قال الله تعالى عن ابني آدم عليه السلام : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) المائدة/ 27 .. الآيات . قال ابن كثير رحمه الله :
" وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف ، أن الله تعالى قد شرع لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال ، ولكن قالوا : كان يُولَد له في كل بطن ذكر وأنثى ، فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر ، وكانت أخت هابيل دَميمةً ، وأخت قابيل وضيئةً ، فأراد أن يستأثر بها على أخيه ، فأبى آدم ذلك إلا أن يقربا قربانًا ، فمن تقبل منه فهي له ، فقربا فَتُقُبِّل من هابيل ولم يتَقَبَّل من قابيل ، فكان من أمرهما ما قص الله في كتابه " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (3 /82) .
وروى ابن أبي حاتم : عن ابن عباس قال : " نهي أن تنكح المرأة أخاها تَوْأمها ، وأمر أن ينكحها غيره من إخوتها ، وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة ، فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة ، وولد له أخرى قبيحة دميمة ، فقال أخو الدميمة : أنكحني أختك وأنكحك أختي . قال : لا أنا أحق بأختي ، فقربا قربانا ، فتقبل من صاحب الكبش ، ولم يتقبل من صاحب الزرع ، فقتله " قال ابن كثير رحمه الله : إسناده جيد .
"تفسير ابن كثير" (3 /83) .
وانظر : "تفسير ابن جيري" (10/206) - "تفسير البغوي" (3 /41) – "تفسير الثعلبي" (ص 732) – "الجامع لأحكام القرآن" (6 /134) – "زاد المسير" (2 /332) –"البداية والنهاية" (1 /103) .
وإذا ثبت هذا عن الصحابة رضي الله عنهم أو عن بعضهم ، لا سيما عبد الله بن عباس أعلم الناس بتفسير القرآن ، وتتابع العلماء على ما ذكره ، لم يكن هذا من الظن الذي لا يجوز العمل به .
بل أشار ابن كثير في كلامه السابق أنه أمر مقطوع به ، وذلك في قوله : "إن الله شرع لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال".
فقوله : "لضرورة الحال" يقتضي أنه لا يمكن أن يكون الأمر قد وقع بخلاف هذا ، وإلا فكيف جاء سائر الناس ، وكيف تناسلوا ؟ ليس هناك طريق لذلك إلا بتزويج بني آدم لبناته .
والله أعلم .
تعليق