الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل يجوز التدرب على مباشرة التلقيح الصناعي ؟

154419

تاريخ النشر : 31-07-2010

المشاهدات : 17464

السؤال

هذا خاص بزوجتي وبعض زملائها المسلمين الذين يدرسون في بريطانيا زوجتي أخصائية نساء وتوليد وهي الآن في صدد إنهاء ماجستير في تقنيات الحمل بالمساعدة والتلقيح الصناعي ( العقم وأطفال الأنابيب ) المشكلة تكمن بعد دراسة هذه السنة يقوم الطبيب بمزاولة العمل في بريطانيا كطبيب متدرب ( وهو يدفع قيمة تدريبه) للمستشفى التي يتدرب بها فيقومون بتعليمه خطوة خطوة ثم يمارس العمل بعد ذلك بنفسه وكل مرة يتم تعليمه شيئاً وهكذا فيكون له عيادة يقابل فيها المرضى ويجري العمليات الخاصة بالعقم بنفسه أي بعد فترة ما يقارب الثلاثة أشهر يستطيع الطبيب عمل كل شي بنفسه وبإشراف واستشارة من الطبيب المدرب له , والمستشفى تستفيد منه لأنه يساعدهم كطبيب ولكن بدون أجر ولا يستطيع الطبيب الحصول على هذه الفرصة بسهولة في بريطانيا ، وعليه أن يتبع الأنظمة والحصول على ترخيص لمزاولة العمل وهو من أصعب الأمور ، فمن الممكن القول للطبيب بأن يتدرب في بلده فالتدريب في بلدنا شبه معدوم لندرة عيادات العقم التي تدرب الأطباء ولا يوجد إلا في مستشفى معين وهى مقتصرة على أطبائهم ، وأيضاً يقومون بإرسالهم إلى كندا , فأعتقد أن نفس المشكلة التي نرغب بالسؤال عنها ستتكرر . السؤال هو : علاج العقم في بريطانيا للجميع لمن سيدفع ويوجد عندهم شيء اسمه التبرع سواء من النساء بالبويضات أو من الرجال بالحيوانات المنوية فمن الممكن أن يأتي رجل وامرأة ويكون الرجل عقيماً فتأخذ بويضة زوجته وتدمج بحيوان منوي من رجل متبرع سواء معروف أو من بنك حفظ الحيوانات والبويضات ، ثم يحقن بالمرأة وتحمل بعد مشيئة الله ، أو يكون هناك امرأتان ترغب [ واحدة ] بالحمل من الأخرى فتأتي واحدة وتتبرع لها ببويضة منها ثم تدمج مع حيوان منوي من أي متبرع ويحقن في المرأة الأخرى ( وهذه العملية تتم عادة بين الشاذَّات جنسيّاً اللاتي لا يرغبن في الزواج من رجال ) فالمشكلة تكمن في العلاقة بين المرأة والرجل لأنهم من الممكن أن يكونوا غير أزواج أو من التبرع سواء كان ببويضات أو حيوانات منوية مع العلم بأن الطبيب ربما يكون في مختبر ولا يعلم مصدر هذه الحيوانات المنوية أو البويضات لأن دوره يكون في عملية التلقيح ومراقبته حتى يتم ، ثم إرساله للعيادة ويقوم الطبيب الذي في العيادة بالحقن في المرأة. كما أن زوجتي لو عادت بعد التدريب ستسعى لتدريب زميلاتها على العمل حسب الحاجة من دون أن يذهبن إلى الخارج إذا تم الأمر على ذلك وستكون مرجعاً لهم وهي التي ستضع " بروتوكول " العلاج في المستشفى التي تعمل بها بحيث يتناسب مع ديننا الحنيف إن شاء الله ومن الممكن قطع الباب على الرجل بأن يأتي ويفتح عيادة العقم لأن العيادة لو تركت مغلقة لربما ذهب أي طبيب رجل للخارج وسيطر على العيادة وأصبحت موطئ قدم لمن يرغب بتدريبه ، أرجو إجابتنا مشكورين وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله.


جاءت الشرائع السماوية بحفظ الضروريات الست وهي : الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسب ، والعرض ، والمال ، وهذه الضروريات فيها استقرار حياة الناس دينيّاً ودنيويّاً ، وقد شرع الله تعالى أحكاماً متعددة لحفظها ، وتوعد بالعقوبة على المضيع لها والمساهم في اختلال نظامها ، وإن في العمل المسئول عنه تضييعاً للعرض والنسب.

وقد تعددت الصور في " التلقيح الصناعي " والتي ساهمت وتساهم في تضييع هاتين الضرورتين ، ومنه :
أولاً : التلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم زرع اللقيحة في رحم زوجته.
ثانياً : التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبييضة الزوجة ، ثم زرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة .
ثالثاً : التلقيح الخارجي بين منيّ من الزوج وبييضة مأخوذة من الزوجة ، ثم زرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها .
رابعاً : التلقيح الخارجي بين نطفة من رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية وزرع اللقيحة في رحم الزوجة .
خامساً : التلقيح الخارجي بين نطفة الزوج وبييضة من الزوجة ، ثم زرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى لهذا الزوج ، لأن له زوجتين .
وقرر " مجلس الفقه الإسلامي " المنعقد في دورة مؤتمره الثالث في " عمَّان " من 1208 صفر سنة 1407 هـ بشأن " طرق التلقيح الصناعي " :
إن الطرق الخمسة الأولى كلها محرَّمة شرعًا وممنوعة منعاً باتّاً لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة وغير ذلك من المحاذير الشرعية .
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
فإذا حملت الزوجة من مائيْن أجنبيين ، أو من بييضتها وماء أجنبي فهو : حمل سفاح محرَّم لذاته في الشرع تحريم غاية لا وسيلة قولاً واحداً ، والإنجاب منه شر الثلاثة فهو ولد الزنا ، وهذا ما لا نعلم فيه خلافاً بين من بحثوا هذه النازلة .
وهذا ما توجبه الفطرة السليمة ، وتشهد به العقول القويمة ، وقامت عليه دلائل الشريعة ، وقد أبان الشيخ محمود شلتوت عن مجامع الاستدلال في هذا في " فتاويه " ( ص 328 ، 329 ) بما يشفي ويكفي ، فيحسن الرجوع إليه فإنه مهم .
" فقه النوازل " ( 1 / 269 ) .
وهذا نص فتوى الشيخ محمود شلتوت :
"إذا كان التلقيح بماء رجل أجنبي عن المرأة لا يربط بينهما عقد زواج : فهو في هذه الحالة يكون في نظر الشريعة الإسلامية جريمة منكرة وإثمًا عظيمًا يلتقي مع الزنى في إطارٍ واحدٍ ، جوهرهما واحد ، ونتيجتهما واحدة ، وهي وضع ماء رجل أجنبي قصداً في حرثٍ ليس بينه وبين ذلك الرجل عقد ارتباط بزوجيَّة شرعيَّة ، ولولا وجود قصورٍ في صورة الجريمة : لكان حكم التلقيح في تلك الحالة هو حكم الزنى" انتهى .
وقد وقع خلاف بين العلماء فيما إذا كانت البويضة والحيوان المنوي من الزوجين ، وتم حقن ذلك في رحم الزوجة نفسها ، فمن العلماء من منع ذلك ، ومنهم من أجازه بشروط .
وقد اتفق الجميع على وجود المخاطر والمحاذير في هذه الصورة ، وقد ذكرها الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله – وقال في آخر المبحث :
وعليه : فيظهر أن مَن نزع إلى المنع من باب تحريم الوسائل وما تفضي إليه مِن هتك المحارم : فإنه قد نزع بحججٍ وافرة ، وما لبس المسلم في حياته وآخرته أحسن من لباس التقوى والعزة ، وعيشة في محيط الكرامة الإنسانية وسلامة بنيتها ومقوماتها لتعيش في جو سليم من الوخز والهمس محافظاً على دينه وعلى نفسه ، وكما يحافظ على ماله من الربا وغباره يحافظ على نسبه وعرضه من آثاره الضارة عليهما بالشكوك والأوهام التي تصرع شرفه وعزته ، وأخيراً تخل بتماسك أمته وحفظها وصيانتها .
وقد عُلم من مدارك الشرع أن جملة من المحرمات تَحرُم تحريم وسائل قد تباح في مواطن الاضطرار ، والضرورة تُقدَّر بقدرها ، وعليه :
فإن المكلف إذا ابتلي بهذه : فعليه أن يسأل من يثق بدينه وعلمه ، والله تعالى أعلم ، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
" فقه النوازل " ( 1 / 275 ، 276 ) .

وعليه :
فلا يجوز مباشرة زوجتك لما حرَّم الله سبحانه وتعالى ، ولو كان لها قصدٌ شرعي بعد عودتها لبلادها .
وإذا كانت قد أنهت دراستها فلها أن تتعذر بما تستطيعه لكي لا تقع في المحذور والذي يساهم في ضياع الأنساب والأعراض ، ولا شك أن الدراسة النظرية لهذا الأمر دون المباشرة العملية أهون .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب