الحمد لله.
اختلف الفقهاء في حكم استعمال الطعام في التنظف ، ونحوه ، على قولين :
القول الأول : الجواز والإباحة ، وعدم الحرج في استعمال بعض المواد الغذائية وأنواع الأطعمة في التنظف ، وما يشبهه.
نص على ذلك الحنفية ، وهي رواية عن الإمام مالك ، واختاره ابن قدامة من الحنابلة .
جاء في " الفتاوى الهندية " (5/337) – من كتب الحنفية – : أن أبا حنيفة رحمه الله لم يكن يرى بأساً بغسل اليدين بالدقيق بعد الطعام ، وكذلك صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن .
وقال النفراوي المالكي رحمه الله :
"الإباحة مروية عن مالك رضي الله عنه ، فإنه قال - في الجُلْبَان والفول وما أشبهه - : لا بأس أن يتوضأ به ، ويتدلك به في الحمام " انتهى من "الفواكه الدواني" (2/321) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"قيل لأبي عبد الله (الإمام أحمد) : ما تقول في غسل اليد بالنُّخالة ؟ فقال : لا بأس به ، نحن نفعله .
واستدل الخطابي على جواز ذلك ، بما روى أبو داود بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر امرأة أن تجعل مع الماء ملحاً , ثم تغسل به الدم من حيضة . – أبوداود (313) وضعفه الألباني - والملح طعام , ففي معناه ما أشبهه " انتهى من " المغني " (7/221) .
وينظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (59899) ، (84903) ، (145307).
وليس في استعمال الأطعمة لأغراض التنظيف ونحوه إهدار لها ، بل استغلال لها في حاجة مطلوبة شرعاً ، فالتنظف والتجمل من الأمور المشروعة التي جاءت الشريعة بطلبها والحث عليها .
القول الثاني : أنه يكره استعمال الطعام في التنظيف، وهو المعتمد عند المالكية والحـنابلة ، إلا أن الحنابلة خصوا الكراهة بما يقتات من الطعام ، وليس بجميع أنواع الأطعمة .
قال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
"ويكره غسل يديه بطعام ، وهو القوت ، ولو بدقيق حمص وعدس وباقلاء ونحوه" .
انتهى من" كشاف القناع " (5/172) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يستدل على كراهة الاغتسال بالأقوات ; بأن ذلك يفضي إلى خلطها بالأدناس والأنجاس ، فنهى عنه، كما نهى عن إزالة النجاسة بها ، والملح ليست قوتاً ، وإنما يصلح بها القوت .
نعم ، ينهى في الاستنجاء عن قوت الآدميين والبهائم للإنس والجن ، لهذا لا يستنجى بالنخالة ، وإن غسل يده بها .
فأما إن دعت الحاجة إلى استعمال القوت ، مثل الدبغ بدقيق الشعير، أو التطبب للجرب باللبن والدقيق ، ونحو ذلك : فينبغي أن يرخص فيه ...
وبهذا قد يجاب عن الملح؛ أنها استعملت لأجل الحاجة .
ودليل آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أمر بلعق الأصابع والصحفة وأخذ اللقمة الساقطة وإماطة الأذى عنها ) كل ذلك لئلا يضيع شيء من القوت , والتدلك به إضاعة له لقيام غيره مقامه . وهو من أنواع التبذير الذي هو من فعل الشيطان" انتهى .
وسئلت عن مثل هذه - وهو غسل الأيدي بالمسك - فقلت : إنه إسراف ، بخلاف تتبع الدم بالفرصة الممسكة ، فإنه يسير لحاجة ، وهذا كثير لغير حاجة" انتهى .
نقله ابن مفلح في " الآداب الشرعية " (3/211) .
والذي ينبغي عدم استعمال الأطعمة في التنظف ونحوه ، لأن ما يقوم مقام الأطعمة في مثل ذلك: كثير، مبذول ، وهو أبعد عن الترفه ، والترف .
وأما إذا قدر في حال ما ، أو وقت ما ، عدم ما يعين على التنظف سوى ما كان من جنس الأطعمة ، أو دعت الحاجة إليه : فنرجو ألا يكون هناك حرج في استعمالها ، للحاجة .
والله أعلم .
تعليق