الحمد لله.
أولا :
يجب أن تعلمي أن هذه المعاشرة هي الزنا الصريح الذي هو من كبائر الذنوب ، وقد ورد فيه من الوعيد الشديد ما ينبغي أن يكون زاجرا وواعظا لكل مؤمن ومؤمنة ، فمن ذلك :
1- ما روى البخاري (1386) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن عقاب الزناة ، فيما رآه في منامه ، حين أتاه ملكان : ( فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا ) .
وفي رواية له أيضا (7047) : ( فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلَاءِ قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ ) الحديث ، وفي آخره : ( وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي ).
2- وروى ابن خزيمة وابن حبان عن أبي أمامة رضي الله
عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ
أَتَانِي رَجُلَانِ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ، فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا،
فَقَالَا: اصْعَدْ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أُطِيقُهُ، فَقَالَا: إِنَّا
سَنُسَهِّلُهُ لَكَ، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا
بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ؟ قَالُوا: هَذَا عُوَاءُ
أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ انْطُلِقَ بِي، فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ
بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ، تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا قَالَ:
قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ
صَوْمِهِمْ، فَقَالَ: خَابَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ سُلَيْمَانُ: مَا
أَدْرِي أَسَمِعَهُ أَبُو أُمَامَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمْ شَيْءٌ مِنْ رَأْيِهِ؟ ثُمَّ انْطَلَقَ، فَإِذَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ
شَيْءٍ انْتِفَاخًا وَأَنْتَنِهِ رِيحًا، وَأَسْوَئِهِ مَنْظَرًا، فَقُلْتُ: مَنْ
هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ قَتْلَى الْكُفَّارِ،
ثُمَّ انْطَلَقَ بِي، فَإِذَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا، وَأَنْتَنِهِ
رِيحًا، كَأَنَّ رِيحَهُمُ الْمَرَاحِيضُ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ:
هَؤُلَاءِ الزَّانُونَ وَالزَّوَانِي ... ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب
والترهيب برقم (2393).
3- وجعل الله حد الزاني غير المحصن ؛ أي : الذي لم يسبق له الزواج : الجلد مائة
جلدة ، وحد المحصن الرجم حتى الموت . قال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا
رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2 .
وروى مسلم في صحيحه (3199) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( والثيب بالثيب
جلد مائة والرجم ) .
فبادري بالتوبة إلى الله تعالى ، واقطعي علاقتك بهذا الرجل ، ولا يغرنك إمهال الله
تعالى لك ، فإنه يمهل ولا يهمل ، وإن أخذه لشديد ، وإن عذابه لعظيم ، وقد أمهلك هذه
السنوات الطوال - حسب ما ورد في سؤالك - وهذا من حلمه على عباده ، ورغبته في
هدايتهم ، وفرحه بتوبتهم .
ولا ندري والله بأي قلب عشت هذه السنوات الطوال مع رجل تعاشرينه معاشرة الأزواج ،
فإن كنت حينها بعيدة عن الله ، غارقة في الدنيا ، فلعل تفكيرك في الحج دليل على
رغبتك في الرجوع إلى الله ، وإنقاذ نفسك من النار ، فإن الموت قريب ، والدنيا إلى
زوال ، وغدا إما جنة أو نار ، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ، نسأل الله
أن يتوب عليك ويجعلك من أهلها .
ثانيا :
لا يحل لك الزواج من هذا الرجل حتى يعلن إسلامه ويلزم أحكامه ؛ لأنه لا يحل لمسلمة
أن تكون زوجة لكافر ، وهذا مجمع عليه بين أهل العلم ؛ لقوله تعالى : ( فَإِنْ
عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ
حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الممتحنة/10 ، وقوله : (وَلا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ
مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ
يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) البقرة/221
والزواج من غير مسلم ، لا يعد زواجا ، بل هو زنا وإثم ومنكر .
فانظري ، يا أمة الله : رجل يحرم عليك الزواج به ، وأنت تعاشرينه في الحرام ،
وتريدين الحفاظ على ذلك ؛ إنها ظلمات بعضها فوق بعض ، فأدركي نفسك ، يا أمة الله ،
قبل فوات الأوان .
وأنت الآن بين خيارين :
أن تؤثري الله تعالى ، وترغبي فيما عنده من السعادة الأبدية ، والنعيم المقيم ،
والحياة المطمئنة .
أو تؤثري هذه الحياة الآثمة مع رجل لا يحل لك ، ثم لا تلبث هذه الحياة أن تنقضي ،
وتصيرين إلى الموت والبلى ، وينتظرك الحساب والجزاء ، وحينها يعض الظالم على يديه
ويقول : ( يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَى
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ) الفرقان/27-29
وإنّ غمسة في نار جهنم كفيلة بنسيان كل متعة في هذه الحياة مهما بلغت .
روى مسلم (2807) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ
النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا
ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ
لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ . وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا
مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا
ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ
لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ
).
ثالثا :
إن أخطر ما يمكن أن يتعرض له المُصِرُّ على المعصية : أن يُطمس على قلبه ، ويحال
بينه وبين التوبة ، وتكتب له سوء الخاتمة ، نسأل الله العافية .
وبعض العصاة يؤجل التوبة ، ويسوف في قرار الأوبة ، ظانا أنه يتوب في آخر العمر ،
فيحال بينه وبينها ، فيموت على المعصية ، ويلقى الله على الضلالة ، ويندم حين لا
ينفعه الندم .
فوصيتنا لك أن تعودي إلى الله ، وأن تُقبلي على طاعته ، وأن تنطرحي بين يديه ، وأن
تذرفي دموع التوبة والندم ، وأن تكثري من سؤاله ودعائه أن يتقبل توبتك ، ويغفر ذنبك
، ويتجاوز عن سيئاتك ، وهو سبحانه يحب التائبين ، ويدني المستغفرين ، ويفرح بقوافل
العائدين ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )
التوبة/104
عافاك الله من كل سوء ، وصرف عنك الفحشاء ، وردك إليه ردا جميلا .
والله أعلم .
تعليق