الحمد لله.
قد أحسنت في أنك رفضت إعطاء ما يسميه خال زوجتك بالضمانات .. ، فهذا ليس من حقه ، ولا من حقها ، بل على أهل الزوجة أن يسلموها إليك ، بما أنها زوجتك ، وكل ما هنالك أن يكون شرط الرجوع بينكما ، ما أمر الله به عباده : ( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) .
ولا شك أن زوجتك قد أخطأت خطأ بالغا حينما أطاعت أخاها ، وتركت بيت زوجها ، وكان من الممكن أن تسير الأمور في اتجاه أهدأ من ذلك ، وأقل شرا وفسادا .
وعلى كل حال :
فالذي ينبغي عليك الآن أن تدخل بعض أهل الخير والمعروف ، خاصة أهل العلم بالدين وأحكامه ، ليصلحوا بينكم ، ولا بأس أن ترسل بعض الزوجات الصالحات لتعرف زوجتك خطأ ابتعادها عن زوجها ، وتركها لبيته .
فإن استجابت وجاءت إلى بيتك ، ولو على غير رضا من أهلها ، فالواجب عليك مراعاة حق الله فيها ، وأن ترفق بها ، وتكرم عشرتها ، وتبعدها قدر طاقتك عن الاحتكاك بأمك وأهلك ، وأن تتفاهم أنت وهي على ما بينكما من العشرة ، ومشكلات الحياة .
وأما خدمة زوجتك لأمك ، فهي غير واجبة عليها ، بل هي تطوع وتفضل منها ، فإن قامت بها ، على قدر ما تحسن وتستطيع ، فهي مشكورة مأجورة إن شاء الله ، وما على المحسنين من سبيل ؛ وإذا لم تقم ، أو وجدت من المعاملة ما ينفرها عن ذلك : فلا حرج عليها ، وعليك أنت وإخوتك القيام بما تحتاجه أمكم من الرعاية والخدمة .
وأما أنك تقوم بشيء من أعمال البيت : فهذا لا عيب فيه ، ولا حرج ، بل البيت والأسرة شركة بينك وبين زوجك ، تقوم على التعاون والتحاب ، وليس على المشاحة والخصام بين الطرفين . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكرم الناس أصلا وفصلا ، وأشرفهم عنصرا وشخصا ، وهو مع ذلك يقوم ببعض ما يقوم به أهله في منزله ، حينما يكون فارغا لذلك :
روى البخاري في صحيحه (676) عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ : مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟
قَالَتْ : ( كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ـ تَعْنِي : خِدْمَةَ أَهْلِهِ ـ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ ) .
وفي مسند الإمام أحمد (24382) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّهَا سُئِلَتْ : مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟
قَالَتْ : ( كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ ، ويَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ ) .
لكن عليك أن تخفي ذلك كله عن كل أحد ، وأن تخفي ما يكون بينك وبين زوجك من أمور العشرة ، حتى عن أقرب الأقربين إليك وإليها .
وإذا استجابت لك زوجك ، فحاول أن تسير بما نصحناه بك معها ، وأن تبدأ سياسة جديدة أنت وهي في بيتكما .
وإذا أمكنك أن تنتقل إلى منزل أبعد عن بيت أهلك ، وبيت أهلها أيضا ، فلعله أن يكون أفضل وأصلح لكما إن شاء الله .
فإن أبت أن تطيعك ، وترجع إليك ، إلا بشروط لا تلزمك ، ويئست من صلاحها ، وعجز المصلحون : فلعل الله أن يبدلك خيرا منها ، وأن ييسر لك من يعفك ويقوم بأمرك .
ولو كانت أحوالك المادية تسمح لك بزوجة ثانية تعفك ، فابدأ بهذا الخيار ، قبل أن تفكر في الطلاق ، فإن صلح حال الأولى ، فاجمع بينهما ، فهو أفضل من التسرع في الطلاق .
وإن لم يكن عندك القدرة على ذلك ، ولم تجد سبيلا لإصلاحها ، ففارقها ، وابحث عن زوجة أخرى تعفك ، وقد قال الله تعالى : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) النساء/130
والله أعلم .
تعليق