الحمد لله.
لا تحرم الشريعة على المسلم أن يسرح في خياله في الأمور المباحة ، فتلك طبيعة البشر ، خلق الله عز وجل في أنفسهم عالما عجيبا من الخيال والصور والأحاديث التي ترد على الخواطر ، وقد لا يملك الإنسان دفعها بالكلية ، ولكنه يملك ضبطها والوقاية من الضار منها .
ولا يخفى أن بعض الخيالات التي يستغرق الإنسان فيها تنقلب إلى نوع من الأوهام ، فتؤدي إلى إرهاق الفكر ، وشتات البال ، وفي أحيان كثيرة ينتج عن ذلك واقع عملي مليء بالإحباط واليأس ، أو سلوك خاطئ يدفع إليه هاجس نفسي متكرر ، كان الإنسان في غنى عنه لو أنه حفظ عقله من هذه المتاهات .
وفي ظننا أن الخيال الناجح هو الخيال الواقعي ، الذي يخطط لمستقبل أفضل ، ويدور في حدود الممكنات وليس المستحيلات ، ويسعى كي يترجم نفسه سلوكا عمليا نحو النجاح في الحياة الأسرية والعلمية والاجتماعية ، من خلال القراءة النافعة ، والعمل الصالح ، والخلق الحسن ، وإذا لم تسعف الفرصة لتحقيق ذلك فالصبر والرضا أصلان حاضران في قلب العبد المؤمن .
هذا هو الفرق بين الخيال الفاسد الضار ، وبين الخيال الواقعي النافع ، ينبغي على الشباب والفتيات خاصة الانتباه له ، والحذر من الانجرار في خطوات الشيطان ، الذي يفتح عن طريق " الخيالات " أبوابا من الشرور والآثام ، فالمعصية بدايتها فكرة ونهايتها حسرة ، وإذا كان المقصود بتخيل الحياة العاطفية هو تصور المعاشرة الجنسية مع شاب معين على أمل أن يكون زوجا في المستقبل : فهذا من الخيالات الفاسدة التي لا ترجع على القلب إلا بالألم والحسرة والتفكير في المعصية ، وقد سبق بيان ذلك في موقعنا بالتفصيل ، في الجواب رقم : (84066)
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :
" اعلم أن القلب مثاله مثال هدف تنصب إليه السهام من الجوانب .
أو هو مثال مرآة منصوبة تجتاز عليها أصناف الصور المختلفة ، فتتراءى فيها صورة بعد صورة ، ولا تخلو عنها .
أو مثال حوض تنصب فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه .
وإنما مداخل هذه الآثار المتجددة في القلب في كل حال إما من الظاهر فالحواس الخمس ، وإما من الباطن ؛ فالخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان...وينتقل الخيال من شيء إلى شيء ، وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال آخر .
والمقصود أن القلب في التغير والتأثر دائما من هذه الأسباب ، وأخص الآثار الحاصلة في القلب هو الخواطر ، ثم الخاطر يحرك الرغبة ، والرغبة تحرك العزم ، والعزم يحرك النية ، والنية تحرك الأعضاء .
والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر ، وإلى ما يدعو إلى الخير ، فهما خاطران مختلفان ، فالخاطر المحمود يسمى إلهاما ، والخاطر المذموم يسمى وسواسا " انتهى باختصار من " إحياء علوم الدين " (3/26)
والله أعلم .
تعليق