الحمد لله.
هذه المسألة هي من باب القرض الحسن ، والمصوغات الذهبية رهن لضمان هذا القرض : فالحكم الشرعي حينئذ يقضي بأنه يحرم على المُقرِض أن يستوفي من الرهن أكثر من المبلغ الذي أقرضه ، وإنما يجب عليه أن يكتفي ببيع قدر من الذهب كاف لوفاء المبلغ الذي دفعه – وهو في السؤال خمسة آلاف دولار – وباقي الذهب يرده إلى الراهن المقترض ، فالرهن لا يصادر كله لوفاء حق المقرض ، وإنما بالقدر الذي يؤدي عن مبلغ القرض قدرا وجنسا ، فإن لم يفعل ذلك وقع في الربا باستيفائه أكثر مما أقرضه ، والله عز وجل يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279.
على أن المرتهن ( المقرض الذي بيده
الرهن ، وهو هنا الذهب ) لا يحق له أن يتصرف في الرهن هكذا ، متى طلب ماله ، أو حل
الأجل من غير الرجوع إلى المالك ( المدين الذي وضع عنده الرهن ) ، فالرهن أمانة في
يده ، لا يحل له أن يتصرف فيه إلا بإذن صاحبه ، أو حكم الحاكم .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" فَصْلٌ: إذَا حَلَّ الْحَقُّ، لَزِمَ الرَّاهِنَ الْإِيفَاءُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ
حَالٌّ، فَلَزِمَ إيفَاؤُهُ، كَاَلَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ،
وَكَانَ قَدْ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لِلْعَدْلِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ،
بَاعَهُ، وَوَفَّى الْحَقَّ مِنْ ثَمَنِهِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ
فَلِمَالِكِهِ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَعَلَى الرَّاهِنِ. وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِ، أَوْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُمَا ثُمَّ
عَزَلَهُمَا، طُولِبَ بِالْوَفَاءِ وَبَيْعِ الرَّهْنِ، فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا
فَعَلَ الْحَاكِمُ مَا يَرَى مِنْ حَبْسِهِ وَتَعْزِيرِهِ لِبَيْعِهِ، أَوْ
يَبِيعُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَمِينِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ عَلَى
مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، لَا عَلَى مَالِهِ، فَلَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ بِغَيْرِ
إذْنِهِ ، وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ
أَدَائِهِ، قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِي أَدَائِهِ كَالْإِيفَاءِ مِنْ جِنْسِ
الدَّيْنِ، وَإِنْ وَفَّى الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ، انْفَكَّ الرَّهْنُ. "
انتهى من " المغنى " (4/303) .
والحاصل :
أن السائل هنا تعدى حين تصرف في الأمانة التي في يده ، من غير إذن صاحبها ، أو حكم
حاكم شرعي بذلك ، ولا عبرة بما ظنه هو من اعتبار الذهب ملكا له ، حتى دفع زكاة عنه
؛ فإن هذا الظن خطؤه بين ، فلا عبرة به .
فالواجب عليك أن ترد إلى المرأة ذهبها بمثله وزنا ، كما أعطته لك .
لكن لو أمكن أن يتوسط بعض أهل الخير للصلح بينكما ، للوصول إلى وضع محتمل بينكما ،
اعتبارا بأنك تصرفت على هذا الوجه متأولا ، ولم تكن باغيا ولا معتديا ، واعتبارا
بأن المرأة لم تخل من التفريط ، حين تأخرت كل هذه المدة ، وتركت ذهبها ، ولم تتحدث
معك في شأنه ، نقول : لو توسط بعض أهل الخير للوصول إلى حل وسط بينكما ، ترضيان به
، ويتحمل كل واحد منكما فيه جزءا من التبعة ، فهو أمر حسن مناسب .
والله أعلم .
تعليق