الحمد لله.
أولاً:
تتم العقود وتترتب عليها آثارها الشرعية في حال اتفاق أطرافها على مقتضاها ، وسواء كان الاتفاق باللفظ – وهو الأكثر – أو بالكتابة فإن العقد يصير شرعيّاً ، وفي حال كان عقد بيع أو إجارة فإنه يكون مُلزماً للطرفين إذا تحقق الإيجاب والقبول بأي صيغة دلَّت عليهما .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 7 / 203 ) :
" يكون الإيجاب باللفظ ، وهو الأكثر ، ويكون بالإشارة المفهمة من الأبكم ونحوه في غير النكاح ، وقد يكون بالفعل كما في بيع المعاطاة ، وقد يكون بالكتابة ، ويكون الإيجاب بالرسالة أو الرسول ، إذ يعتبر مجلس تبليغ الرسالة أو الرسول ، وعلمه بما فيها ، هو مجلس الإيجاب " انتهى .
وفي ( 32 / 304 ) : " القبول قد يكون باللفظ كقول المشتري - بعد إيجاب البائع - قبلت ، أو رضيت ، وقد يكون بالفعل كما في البيع بالتعاطي ، وقد يعتبر السكوت قبولا دلالة ... .
وقد يكون القبول بالإشارة ، فإن إشارة الأخرس المفهومة تقوم مقام نطقه ، وقد يكون بالكتابة ، فالكتابة بالقبول ينعقد بها التصرف لأنها قبول " انتهى .
وانظر جوابي السؤالين ( 364 ) و ( 126855 ) .
وعليه : فالعقد الذي تمَّ لفظيّاً برضا الطرفين ملزم
لهما ، ولا يحل لأحدهما أن يفسخ العقد من غير رضا الطرف الآخر .
ثانياً:
لم يظهر في السؤال ما إذا كان عقد الإيجار له مدَّة معلومة ؛ إذ هذا الأمر من شروط
الإجارة الصحيحة ، فعلى فرض وجود مدة معينة متفق عليها بين المؤجر والمستأجر :
فيكون من حق المستأجر أن يُلزم المؤجرَ بالعقد المتفق عليه بينهما ، وإذا أصرَّ
صاحب العقار على إخلاء عقاره المأجور قبل تمام المدة المتفق عليها : فللمستأجر أن
يطالب بمبلغ من المال قلَّ أو كثر مقابل تنازله عما تبقى له من المدة ، ولينظر
جوابي السؤالين ( 364 ) و (
105404
) .
وإذا لم يكن هناك مدة ينتهي عندها العقد – كما هو
الظاهر - : فإن اتفاقهما على أجرة معلومة كل شهر يجعل العقد بينهما لازماً قبل
انتهاء الشهر وجائزاً مع بداية الشهر الذي يليه ، فإذا دخل اليوم الأول من الشهر
الآخر فيصبح لازماً لهذا الشهر وعلى المستأجر بذل الأجرة المتفق عليها ولا يجوز
للمؤجر إخراجه فيه ، وإذا طلب منه إخلاء المأجور وأبدى عدم رغبته بسكناه شهراً
جديداً : كان ذلك له ، ووجب على المستأجر إخلاء المأجور ، وهو قول الحنفية
والمالكية وبعض الحنابلة ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما
الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" وإذا آجر الأرض أو الرباع كالدور والحوانيت والفنادق وغيرها إجارة كانت لازمة من
الطرفين : لا تكون لازمة من أحد الطرفين جائزة من الطرف الآخر ؛ بل إما أن تكون
لازمة منهما أو تكون جائزة غير لازمة منهما عند كثير من العلماء ، كما لو استكراه
كل يوم بدرهم ولم يوقت أجلا فهذه الإجارة جائزة غير لازمة في أحد قولي العلماء ،
فكلما سكن يوما لزمته أجرته وله أن يسكن اليوم الثاني وللمؤجر أن يمنعه سكنى اليوم
الثاني ، وكذلك إذا كان أجل الشهر بكذا أو كل سنة بكذا ولم يؤجلا أجلاً " انتهى من
" مجموع الفتاوى " ( 30 / 217 ) .
وفي كلا الحالين – سواء كان العقد له مدة معينة أو كان على الصورة الأخرى – فإنه لا
يجوز للمؤْجر أن يطالب المستأجر بإخلاء العقار إن كان اشترط على نفسه أن يعطيه مهلة
ثلاثة شهور قبل تلك المطالبة ، والشروط المباحة لازمة لمن اشترطها على نفسه ويجب
الوفاء بها ، وتكون تلك الشهور الثلاثة مهلة إضافية على مدة العقد ، وبنفس الشروط
التي مضى عليها العقد ، من الأجرة ونحوها .
وإذا لم يكن إعطاء تلك المهلة مما اشترطه المُؤْجر على نفسه ، لكنه وعد به المستأجر
: فإنه يجب عليه الوفاء بوعده ولا يحل له إخلاف الوعد من غير عذرٍ قاهر ؛ إذ ليس
هذا من أخلاق المؤمنين ، كما أن الإخلاف بهذا الوعد يترتب عليه ضرر على المستأجر ،
فصار الوعد مُلزماً للمؤجر ديانة .
ثالثاً:
لا خلاف بين الفقهاء أن يد المستأجر يد أمانة ، وأنه لا يضمن ما أُتلف من العقار
المستأجر إلا في حال تعديه أو تفريطه ، والتعدي هنا : أن يخالف المأذون له في
العقار – شرعاً أو عادةً أو عرفاً - إلى ما هو أشد ، والتفريط هنا : هو التقصير في
الصيانة والحفظ .
وفي " الموسوعة الفقهية ": ( 13 / 277 ) :
" اتفق الفقهاء على أن العين المؤجرة أمانة في يد المستأجر ، فإن تلفت أو ضاعت بغير
تعد منه ولا تفريط : فلا ضمان عليه ، أما إذا تعدى أو فرط في المحافظة عليها : فإنه
يكون ضامناً لما يلحق العين من تلف أو نقصان ، وكذلك الحكم إذا تجاوز في الانتفاع
بها حقه فيه فتلفت عند ذلك " انتهى . وينظر : ( 1 / 270 ) .
وأما فواتير الخدمات في المدة التي سكنتها فهي لازمة
لك من غير شك ، لأنك المنتفع بها ، ولا يجوز أن يتحملها صاحب المنزل ، وأما إذا
كانت قد بقيت في العقد مدة لم تسكنها ، فمن الواضح أيضا أنك لن تدفعها عن شيء لم
تنتفع به .
والله أعلم
تعليق