الحمد لله.
أولاً:
اعلم أخي السائل أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان ، وأن النعيم والسعادة التي لا منغص عليهما إنما هو في جنة الخلد ، وإذا كنتَ قد ابتليت بوالدين يشربان الخمر ، فهناك من ابتلي بأعظم من ذلك وهو كون والديه من الكفار المشركين بل ومن الدعاة المجاهدين لذلك ، ومع ذلك فقد أمر الله تعالى ولدهما المسلم بالصبر والحلم عليهما ، والإحسان والبر لهما ، قال تعالى ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/ 15 ، وقال تعالى ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت/ 8 ، فهذه وصايا الله تعالى لمن كان والداه على حال أشد مما هو عليه حال والديك ، وهذه وصايا الله تعالى لأولاد أولئك ، فعسى أن يخفف عنك هذا شيئا من الاكتئاب بل نرجو أن يزول منك بالكلية .
ثانياً:
أما تفكيرك بالانتحار فهو وسوسة خبيثة من الشيطان وهل تعلم أن الانتحار كبيرة من
كبائر الذنوب كما هو حكم الخمر ؛ لا بل هي أشد إثما وجرما من شرب الخمر ؟! إن شارب
الخمر يمكنه أن يرجع إلى ربِّه فيتوب ويعقل ويترك شرب الخمر ؛ وأنَّى للمنتحر أن
يكون كذلك وقد مات ؟! فاحرص أخي الفاضل على إبعاد هذه الوساوس من ذهنك ، وأقبل على
ربِّك تعالى اسأله الإعانة والتوفيق واسأله الهداية لوالديك فهذا هو المأمول من
مثلك .
وانظر في حكم الانتحار جوابي السؤالين (
70363 ) (
111938 ) .
ثالثاً:
من أعظم ما تلجأ إليه لكف والديك عن الاستمرار في شرب الخمر هو الله تعالى ، فالجأ
إليه في السَّحَر وتذلل بين يديه واسأله الهداية لوالديك فهو أول ما ينبغي عليك
فعله تجاه معصيتهما .
ثم ابحث عن رجل عاقل في أسرتكم أو ممن له تأثير على والدك ، فكلِّمه ، واشرح له ظرف
والدك ، وليكن له مساهمة في توجيهه ونصحه ، ولا تيأس من فشل واحد في مهمته ، بل
ابحث عن غيره ، فلعلك أن توفَّق لرجل يكون له تأثير على والدك ليكف عن شرب الخمر ،
ويتوب من فعله ، وإن صلح حاله صلح حال والدتك .
ثم نوصيك بأمك خيراً ، فاستثمر عاطفتها تجاهك ، وعظها في وقت تكون فيه مدركة واعية
، ابكِ بين يديها وقبِّل يديها وقدميها لكي تترك شرب المسكر وأن تعود لرشدها وتتوب
لربِّها تعالى ، وإن نجاحك في هداية والدتك سيخفف عليك من آلامك ، وتقطع به نصف
الطريق .
وفي هذه الأثناء لا داعي لأن يزورك أحد من أصدقائك حتى لا يسبِّب لك ذلك إحراج ،
وأنت الآن في فترة علاج لهما فلا تدع مجالاً لزيارة أحد أصدقائك أن تفسد عليك علاجك
.
وأخيراً : إن أخفقت مساعيك
في هداية والديك لترك شرب الخمر ، ورأيت أن أمرهما يزداد سوءً وأنك لا تستطيع الصبر
على تحمل ذلك : فانج بنفسك ، واهجرهما ، وأنت في الواحد والعشرين من عمرك فتستطيع
تدبر نفسك ، وعسى ذلك أن يكون ذلك من العلاج الناجع ليتركا شرب الخمر ، ولا ترجع
إليهما إلا أن يُصلحا من حالهما ، وعسى أن يكون ذلك قريباً .
وانظر جواب السؤال رقم (
104976 ) .
ونسأل الله تعالى أن يسددك ويوفقك ، وأن يهدي والديك لما فيه رضاه .
والله أعلم
تعليق