الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

يسأل عن أعظم الحسنات المكفرة للذنوب

السؤال

قال الله تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات) .
فما أعظم عبادة تمحو السيئات؟ هل هي قول لا إله إلا الله ؟ وهل قول الله تعالى :”ومن يتق الله يجعل له مخرجا” تنطبق على مذنب أقلع عن ذنبه وتاب واستغفر؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
الذنوب يكفرها الله تعالى بالتوبة ، وبالمصائب ، وبالحسنات الماحية ، وبغير ذلك من الأسباب .
قال ابن القيم رحمه الله : ” فالذنوب تزول آثارها بالتوبة النصوح والتوحيد الخالص والحسنات الماحية والمصائب المكفرة لها وشفاعة الشافعين في الموحدين وآخر ذلك إذا عذب بما يبقى عليه منها أخرجه توحيده من النار” انتهى من “هداية الحيارى” ص 130.
والحسنات الماحية كالوضوء ، والصلوات الخمس ، والحج والعمرة ، وأعظم الحسنات : التوحيد ، كما أن أعظم السيئات : الكفر والشرك .
و(لا إله إلا الله) : أعظم الحسنات ، وأعلى شعب الإيمان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ) رواه البخاري (9) ، ومسلم (35) واللفظ له ، من حديث أبي هريرة .
وروى مسلم في صحيحه (2687) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً ).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( قال موسى عليه السلام : يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به ، قال : يا موسى قل : لا إله إلا الله قال : يا رب كل عبادك يقول هذا ، قال : قل لا إله إلا الله ، قال : لا إله إلا أنت رب إنما أريد شيئا تخصني به ، قال : يا موسى لو كان السموات السبع وعامرهن غيري والأرضيين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ) رواه ابن حبان (6218)، والحاكم (1936) واللفظ له ، وصححه ، ووافقه الذهبي ، وقال الحافظ في “الفتح ” (11/ 208) : أخرجه النسائي بسند صحيح.
وهذا يدل على فضل هذه الكلمة العظيمة .
قال ابن رجب رحمه الله :
” فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه ، وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه ، أو بقلبه ولسانه عند الموت ، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية. فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه ، أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة، وخشية ، ورجاء وتوكلا ، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات ،.. فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم ، فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات ” انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” (2/ 417) .
ولا شك أن القائلين لهذه الكلمة العظيمة متفاوتون في مراتبهم بحسب ما يقوم بقلوبهم من معانيها.
قال ابن القيم رحمه الله :
” وكلما كان توحيد العبد أعظم ، كانت مغفرة الله له أتم ، فمن لقيه لا يشرك به شيئا البتة غفر له ذنوبه كلها ، كائنة ما كانت ، ولم يعذب بها.
ولسنا نقول: إنه لا يدخل النار أحد من أهل التوحيد ، بل كثير منهم يدخل بذنوبه ، ويعذب على مقدار جرمه ، ثم يخرج منها ، ولا تنافي بين الأمرين لمن أحاط علما بما قدمناه .
ونزيد هاهنا إيضاحا لعظم هذا المقام من شدة الحاجة إليه : اعلم أن أشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه ، فلها نور ، وتفاوت أهلها في ذلك النور – قوة، وضعفا – لا يحصيه إلا الله تعالى .. وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته ، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ، ولا ذنبا ، إلا أحرقه ، وهذا حال الصادق في توحيده ، الذي لم يشرك بالله شيئا” انتهى من ” مدارج السالكين ” (1/ 338) .

ثانيا :
قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2 ، فيه وعد عظيم لأهل التقوى .
والمتقي : من أدى الواجبات ، وترك المحرمات ، ويدخل في ذلك : من أذنب ثم تاب وأناب ، وكذلك من عاود الذنب ثم تاب منه ، فإن تقوى الله تعالى : فعل المأمور وترك المحظور ، والتائب الصادق ، تكفر عنه سيئاته ، وتبدل إلى حسنات ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70.

ولا يشترط في المتقي أن يكون معصوما من السيئات ، وإلا لحُرم من هذا الشرف والفضل أكثر الناس ، فإن كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، فمن أذنب ثم تاب ، فهو من المتقين الذين يرجى لهم الوعد المذكور في الآية ، وفضل الله واسع ، والمهم أن يشغل العبد نفسه بالعمل .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب