الحمد لله.
يمكننا تلخيص ما ورد في كتب التاريخ والتراجم عن شخصية القعقاع بن عمرو التميمي في الفقرات الآتية :
أولا : اسمه ونسبه
هو القعقاع بن عمرو بن مالك التميمي ، توسع في تفريع نسبه الإمام الطبري في " تاريخ الأمم والملوك " (3/275) بما لا حاجة إليه في هذا الجواب المختصر .
وأما مولده ونشأته فلم يرد في الأخبار طرف منها ، ولم نجد عند المؤرخين أي حديث عنها .
ثانيا : طبقته
يقال إنه من الصحابة ، لذلك ذكره في الصحابة ابن قانع في " معجم الصحابة " (2/367)، وابن عبد البر في " الاستيعاب " (3/1283)، وابن الأثير في " أسد الغابة " (4/109)، وابن حجر في " الإصابة " (5/342) ذكره في القسم الأول، وَهُم: " من وردت صحبته بطريق الرواية عنه ، أو عن غيره ، سواء كانت الطريق صحيحة، أو حسنة، أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان " انتهى.
ولكن ذلك لم يثبت بالدليل الصحيح ، فقد استدل على صحبته بحديثين لا يثبتان :
الحديث الأول : روي عنه أنه قال : قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم :
( ما أعددت للجهاد ؟ قلت : طاعة اللَّه ورسوله ، والخيل . قال : تلك الغاية )
رواه ابن قانع في " معجم الصحابة " (2/367)
الحديث الثاني : كما روي عنه أنه قال :
( شهدت وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم ، فلما صلينا الظهر جاء رجل حتى قام في المسجد ، فأخبر بعضهم أن الأنصار قد أجمعوا أن يولوا سعدا - يعني ابن عبادة - ويتركوا عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم ، فاستوحش المهاجرون ذلك )
رواه ابن السكن – كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة " (5/343)-.
وكلا هاتين الروايتين في إسنادها سيف بن عمر الضبي التميمي ، وهو في ميزان المحدثين من الضعفاء ، بل قال أبو داود: ليس بشيء . وقال ابن عدي : عامة حديثه منكر . وقال أبو حاتم : متروك . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات . انظر: " تهذيب التهذيب " (4/295-296)
لذلك قال ابن أبي حاتم رحمه الله :
" قعقاع بن عمرو قال : شهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه سيف بن عمر عن عمرو بن تمام ، عن أبيه عنه ، وسيف متروك الحديث ، فبطل الحديث ، وإنما كتبنا ذكر ذلك للمعرفة " انتهى من " الجرح والتعديل " (7/136)
فالخلاصة أنه لم تثبت صحبته ، فيبقى أنه من كبار
التابعين .
لذلك قال ابن عبد البر رحمه الله – عن القعقاع وأخيه عاصم - :
" لا يَصِحّ لهما عند أهل الحديث صُحبة ، ولا لقاء ، ولا رواية ، وكان لهما
بالقادسية مشاهد كريمة ، ومقامات محمودة ، وبلاء حسن " انتهى من " الاستيعاب "
(2/784)
وقال الصغاني رحمه الله :
" في صحبته نظر " انتهى من " جامع التحصيل " (ص/257)
ثالثا : الثناء عليه بالفروسية والشجاعة
اشتهر القعقاع بن عمرو في كتب التاريخ بفروسيته التي لا تبارى ، وشجاعته في ميادين
الجهاد ، وشخصيته القيادية القوية ، حتى روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه
قال :
" لصوت القعقاع بن عمرو في الجيش خير من ألف رجل "
أقدم من ذكر هذه الكلمة – فيما رأينا – ابن الأثير في " أسد الغابة " (4/390)
وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال أيضا :
" لا يهزم جيش فيه مثل هذا "
أقدم من ذكر هذه الكلمة – فيما رأينا – أبو علي مسكويه (ت421هـ) في كتابه " تجارب
الأمم " (1/332)
وقالوا :
" كتب عمر إلى سعد : أيّ فارس كان أفرس في القادسيّة ؟ قال :
فكتب إليه : إني لم أر مثل القعقاع بن عمرو ، حمل في يوم ثلاثين حملة ، يقتل في كل
حملة بطلا " انتهى من " الإصابة " (5/343)
وقال ابن عساكر رحمه الله :
" وكان أحد فرسان العرب الموصوفين وشعرائهم ، شهد اليرموك وفتح دمشق ، وشهد أكثر
وقائع أهل العراق مع الفرس ، وكانت له في ذلك مواقف مشكورة ، ووقائع مشهورة " انتهى
من " تاريخ دمشق " (49/352)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" هو الّذي غنم في فتح المدائن أدراع كسرى ، وكان فيها درع هرقل ، ودرع لخاقان ،
ودرع للنعمان وسيفه ، وسيف كسرى ، فأرسلها سعد إلى عمر . وذكر سيف بسند له عن عائشة
أنه قطع مشفر الفيل الأعظم ، فكان هزمهم " انتهى من " الإصابة " (5/344)
وهكذا كانت حياة هذا المجاهد حياة قتالية جهادية ، تفاصيلها ساحات المعارك ، وأخبارها روايات الحروب ، فقد شارك في حروب الردة إلى جانب خالد بن الوليد بحزم وقوة ، وشارك في فتوح العراق وشهد أكبر المشاهد فيها كالقادسية ، وشارك في فتوح الشام وشهد اليرموك ، كما شارك في فتوح مصر ، كما كان صاحب مواقف ثابتة ومعروفة في فتنة الصحابة ، ونحن لسنا بصدد بيان تفاصيل تلك المشاركات ، وتوثيق المصادر التي نقلت مشاركة القعقاع فيها ، فذلك شأن آخر محله الدراسات المتخصصة التاريخية ، ولكننا نود أن نشير هنا إلى جوانب من شخصيته يمكن أن تساعد الباحث على بغيته منها .
رابعا : الثناء عليه لشعره
ومن أهم جوانب شخصية القعقاع أيضا الشاعرية ، فقد امتلأت بطون كتب التاريخ شعرا من
شعره ، وكان المؤرخون يأخذون تفاصيل الأحداث من وصفه الدقيق لمجريات المعارك .
يقول الباحث عبد الباسط مدخلي :
" يعتبر القعقاع بن عمرو التميمي من الفرسان الذين قالوا الشعر ، ولم يذكر المؤرخون
شيئا عن شعره قبل الإسلام ، وإنما اتفقوا على قوله الشعر بعد إسلامه .
وكان القعقاع من أولئك المتحمسين للفتوحات الإسلامية ، ووجد فيها ضالته عندما اشترك
فيها ، وكان له تأثير كبير جعله يقرض الشعر في المعارك والحروب الإسلامية .
ويعد شعره وثيقة تاريخية بالغة الأهمية ، حيث لم يترك معركة اشترك فيها إلا وصورها
بشعره تصويرا دقيقا ، يتفق مع الأحداث التاريخية اتفاقا تاما ، ويشيد فيه ببطولته
وبطولة إخوانه المسلمين وبلائهم في هذه الفتوح ، حيث نراه قد قرض الشعر في أكثر
المعارك التي اشترك فيها في بلاد فارس...ويكاد يكون القعقاع أكثر شعراء الفتوح شعرا
، فله في كل معركة ، وفي كل موقف ، مقطوعة شعرية أو أكثر ، على حسب أهمية
الحدث...وأكثر ما يتناول في شعره عبارات الجهاد ، والإيمان بالله ، وطلب الشهادة
التي كان يتمناها ، وهو يرجو بذلك وجه الله وجنته التي أعدها للذين يجاهدون في
سبيله ، منطلقا في ذلك من قوله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ
الصَّابِرِينَ ) آل عمران/142" انتهى من " القعقاع بن عمرو التميمي ودوره في الفتوح
الإسلامية وأحداث عصر الراشدين " – رسالة ماجستير في التاريخ الإسلامي – جامعة أم
القرى . (ص/87-88)
خامسا : الجدل في حقيقة وجود هذه الشخصية
لعل أقدم المصادر التي توسعت في الإخبار عن شخصية القعقاع بن عمرو هو الواقدي في
كتابه " فتوح الشام "، وأيضا كتب سيف بن عمر الضبي ، ثم تتابعت على ذلك معظم كتب
التاريخ الموسعة .
وذلك ما قاد – في ظننا - إلى جدل واسع في عصرنا الحاضر عن حقيقة هذه الشخصية ، ما
بين منكر لوجودها ، ومثبت لها .
والحق يقال : إن أخبار القعقاع بن عمرو وسيرته الجهادية لا نكاد نقف عليها إلا من
خلال كتب سيف بن عمر الضبي التميمي والواقدي ، وقد سبق بيان كلام النقاد فيهما وأن
كلا منهما متروك الحديث لا تقبل رواياته الحديثية .
ولكن هل تقبل رواياتهما التاريخية ؟
ذهب المتأخرون من المحدثين إلى قبول ما يحكيانه على سبيل التاريخ والأخبار ، ولكن
بشرطين اثنين :
1- أن لا تتعارض مروياتهما التاريخية مع التاريخ الثابت بالأسانيد والأخبار الصحيحة
.
2- أن لا تشتمل هذه الأخبار على الأحكام الشرعية والمسائل العلمية .
فإن تم هذان الشرطان فلا يجد العلماء غضاضة في حكاية كلام كل من سيف بن عمر
والواقدي ، ونقل أخبارهما .
لذا يقول الحافظ الذهبي رحمه الله – في سيف بن عمر - :
" وكان إخباريا عارفا " انتهى من " ميزان الاعتدال "
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ضعيف الحديث ، عمدة في التاريخ " انتهى من " تقريب التهذيب " (262)
على أن الواقدي أحسن حالا بكثير من سيف بن عمر .
رابعا : وفاته
يقول الباحث عبد الباسط مدخلي :
" لم نعد نجد للقعقاع بن عمرو بعد معركة صفين ذكر في المصادر أو مشاركة في الأحداث
بعد هذه المعركة .
وهناك اضطراب في تاريخ وفاته ، فالطبري يذكر أن معاوية بن أبي سفيان أخرج من الكوفة
إلى إيليا بفلسطين قعقاع بن عمرو بن مالك في سنة (41هـ)
فعلى ذلك تكون وفاته بعد سنة (41هـ)، ولم تذكر المصادر سنة وفاته بالتحديد ولا
المكان الذي دفن به .
ويذكر الزركلي أنه توفي نحو سنة (40هـ)، ولكنني أشكك في ذلك ؛ لأنه لم يستق ذلك من
مصدر قديم ، وإنما بنى ذلك على عدم ذكر المصادر للقعقاع بعد معركة صفين ، فذكر أنه
توفي نحو سنة (40هـ) " .
انتهى من " القعقاع بن عمرو التميمي ودوره في الفتوح الإسلامية وأحداث عصر الراشدين
" (ص/264)
والله أعلم .
تعليق