الحمد لله.
أولا :
الهجرة من البلاد التي فيها الضيق والأذى والفتنة والمنكر ، إلى البلاد التي فيها الأمن والسعة والعلم والخير ، مشروعة مرغب فيها ؛ لقول الله تعالى : ( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء/100.
وقد ذكر أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله كلاماً نفيساً في أقسام الهجرة ، نذكره ملخصاً: قال رحمه الله : الهجرة تنقسم إلى ستة أقسام :
"الأول : الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ....
الثاني : الخروج من أرض البدعة ، قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يُسب فيها السلف . وهذا صحيح ، فإن المنكر إذا لم يُقدر على تغييره نزل عنه ، قال الله تعالى : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام /68 .
الثالث : الخروج عن أرض غلب عليها الحرام ؛ فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم .
الرابع : الفرار من الأذية في البدن ، وذلك فضل من الله عز وجل أرخص فيه ، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع ، فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور. وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم عليه السلام لما خاف من قومه قال : ( إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) العنكبوت/26 ، وقال : (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِي) الصافات/99 ، وموسى قال الله سبحانه فيه : (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) القصص/21 .
الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة ، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا ، وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون ، فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
السادس : الفرار خوف الأذية في المال ؛ فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، والأهل مثله أو آكد " انتهى من "أحكام القرآن لابن العربي" (1/612) ونقله القرطبي في تفسيره (5/330).
فإذا كنت تريد الهجرة إلى بلد يكمل فيه إيمانك ، وتزداد عملاً صالحاً ، وعلماً نافعاً ، فذلك مشروع من حيث الأصل ، لكنك قد ذكرت أنك من بلد عربي ، والبلاد العربية حالها متقارب من حيث الالتزام بالأحكام الشرعية ، أو البعد عنها ، فكل بلد فيه المتدينون وغيرهم ، بل البلد الواحد يختلف أهله في التمسك بالإسلام باختلاف المناطق والمدن ، فإلى أين ستهاجر ؟
مع ما في الهجرة الآن من صعوبة ، نظراً لقوانين التأشيرة والإقامة .
أضف إلى ذلك أن والدك لا يأذن لك بالهجرة ، وهجرتك بدون إذنه قد تؤثر عليه تأثيراً بالغاً.
فالذي نراه لك أن تبقى في بلدك ، وتبر والدك وتحسن إليه ، وترعاه وتؤنسه وتسعده ، لا سيما مع كبر سنه ، وستجد إن شاء الله تعالى ـ ولابد ـ من أهل بلدك أهل خير ودين واستقامة ، فكن معهم ، تعينهم ويعينونك على طاعة الله تعالى ، وطلب العلم الشرعي ، والدعوة إلى الله تعالى .
مع الاستفادة من الوسائل الحديثة كالفضائيات والإنترنت لطلب العلم وسماع الخير ومعرفته ، فهذا أولى إن شاء الله .
والله أعلم .
تعليق