الحمد لله.
أولا :
نحمد الله تعالى أن وفقك لطاعته ، وأرسل لك هذا الخاطب الصالح ، ونسأله سبحانه أن يتمّ لك الخير ، وأن يرزقكما السعادة والهناء والمزيد من التوفيق والتسديد .
وأما الجواب السابق ففيه مسألتان :
الأولى : اشتراط التوبة للزواج من هذه الفتاة التي كانت تعيش كالفتاة الغربية ، وتلبس الملابس الخليعة ، وتدخن .. وتجلس مع الشباب .. وتذهب معهم إلى بيوتهم ، وتعشق أحدهم إلى الجنون ، وتزعم مع ذلك أنها لم تزن . ولا غرابة في اشتراط التوبة ؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يقر أهله على الفجور ، فإن تابت وصلح حالها فلا حرج في الزواج منها .
المسألة الثانية : نصحه بالبحث عن فتاة صالحة ، بما يعني تزهيده في هذه الفتاة ، وهذا راجع إلى ما ذكره السائل من أنه بدأ يكرهها ، ويشك في صدقها ، ولا خير في الحياة الزوجية التي تبنى على الشك ، فلو أن هذا السائل لم يشر إلى مسألة الشك هذه ، لناسب أن يقتصر في الجواب على المسألة الأولى وهي اشتراط توبتها .
وأنت تسألين عن حالها لو تركها وأعرض عن خطبتها ، ونحن نقول : كيف لو أحبته وتزوجته وتعلقت به ، ثم بدأ الشك يدب إلى قلبه ، ويتذكر ما أخبرته به من ذهابها إلى بيوت الشباب وتدخينها واستهتارها وتعلقها بذلك الرجل ، فلم يجد بدا من طلاقها ، كيف سيكون حالها ؟
ومسألة البكارة ليست دليلا على عدم وقوع الزنا أو مقدماته على الأقل ، ولهذا لا يلام مثل هذا السائل فيما يعرض له من الشك والظن .
ومثل هذا يكون عدم الزواج له من هذه الفتاة أولى .
وهناك حالات أخرى ، يقتنع فيها الرجل بما آل إليه حال المرأة من الصلاح والخير ، ويعرض عن التفكير في ماضيها ، حتى مع الافتراض أو الجزم بأنها مرت بأسوأ الأحوال ، فيقدم على الزواج منها ، راجيا الثواب من الله تعالى في سترها وتحصينها وحمايتها ، مدركا أنها إن زلت فقد زل مثلها ، وإن عصت فقد كان عاصيا كذلك ، فمثل هذا الراغب المقدم يقال له تزوج من الفتاة وأحسن إليها ، وابتغ الأجر من الله تعالى .
والمقصود أن من استُنصح فعليه أن ينصح بما يراه صوابا مناسبا للحال والمقام ، فقد تكون النصيحة نافعة لزيدٍ دون عمرو ، وقد يُنصح اثنان في مسألة واحدة بأمرين مختلفين ، على حسب حال كل ٍّ منهما .
ولو طبقتِ الأمر على نفسك لأدركت صحة هذا الكلام ، فلو
أن أخاك استشارك في الزواج من مثل تلك الفتاة ، مع شكه في صدقها ، ودخول الوسوسة
إلى قلبه بشأنها ، لما أشرت عليه بالزواج منها ؛ إذ في غيرها من الصالحات العفيفات
غنى وكفاية .
وكذلك لو تقدم إليك شاب علمت بأنه كان يخالط النساء ويبيت معهن ويعيش حياة
الاستهتار والمجون ، فإن أغلب الظن أنك سترفضينه ، ما لم يقع في قلبك التسليم بأنه
صادق في توبته ورجعته ، وإلا فمع الشك ، لا يؤمن أن يعود لماضيه وإثمه بعد الزواج .
وأما كون الصالحة قد تكون على خلاف ما يُرى منها ، فإن هذا مما لا سبيل إلى معرفته ، والعبرة بالظاهر ، مع اعتماد حسن الظن بسائر المسلمات .
ومن أخبر عن نفسه أنه وقع في الحرام ، فإنه يجاب
بدعوته إلى التوبة والإنابة والاستغفار ، والستر على نفسه ، سواء كان رجلا أو امرأة
.
فلو جاء السؤال من تلك الفتاة المستهترة ، لكان جوابها هو دعوتها للتوبة والإكثار
من الصالحات ، وعدم إخبار خاطبها بماضيها مهما ألح في السؤال ، فلكل مقام مقال .
وينظر جواب السؤال رقم (84038)
.
والله أعلم .
تعليق