الحمد لله.
لا حرج في اختيار الشاب الزواج من فتاة ذات أصول معينة دون أصول أخرى وذلك للأسباب الآتية :
أولا :
لم نجد في الشريعة ما يدل على الترغيب عن هذا الأمر أو ذمه والتنفير منه ، وإنما المذموم هو المفاضلة بين الناس فكرا ومعاملة وتعصبا تبعا لتفاوت أصولهم ، فميزان المفاضلة الحقيقي هو الإيمان والتقوى ، كما قال الله عز وجل : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات/13.
يقول العلامة السعدي رحمه الله :
" الكرم بالتقوى ، فأكرمهم عند الله أتقاهم ، وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي ، لا أكثرهم قرابة وقومًا ، ولا أشرفهم نسبًا ، ولكن الله تعالى عليم خبير ، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ، ظاهرًا وباطنًا ، ممن يقوم بذلك ظاهرًا لا باطنًا ، فيجازي كلا بما يستحق " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/802)
واختيار الشاب الزواج من فتاة ذات أصل معين لا يستلزم أنه يعتقد أن هذا الجنس أفضل من غيره ، وإنما يرى أن ذلك سيكون أكثر ملاءمة لنفسه وطباعه وعاداته ، وفرق بين الأمرين ، فالأول مذموم لما فيه من تعصب مقيت للجنس أو العرق أو اللون ، والله عز وجل حرم علينا التعصب لهذه الأمور ، وبناء الولاء والبراء عليها ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ) رواه البخاري (4905) ومسلم (2584)
ثانيا :
الزواج من الجنس أو الأصل المرغوب لدى كل من الشاب والفتاة من أسباب نجاح الزواج
وسعادة الزوجين ؛ لأن توافر الرغبة بالاقتران بفتاة معينة يعين على بذلك الجهد
لتفهمها والتعايش معها وقبول صفاتها وعاداتها ، فإن عدمت الرغبة ضعفت هذه القدرة ،
وعدمت التضحية ، وأصبح الزواج هشا معرضا لكل قاطع أو سبب مفسد ، ولكن ذلك مشروط
بتوافق الطرفين وتجانسهما نفسيا وقلبيا ، وقبول كل منهما بالاقتران من الآخر رغم
اختلاف أصليهما .
يقول الإمام الماوردي رحمه الله :
" المواصلة نتيجة التجانس ، والسبب فيه وجود الاتفاق ؛ لأن عدم الاتفاق منفِّر "
انتهى من " أدب الدنيا والدين " (ص/163)
ثالثا :
في تاريخنا الإسلامي الخالد نماذج من الرجال العظام أصحاب البشرة السوداء ، أولهم
لقمان الحكيم ، فقد ورد عن مجاهد رحمه الله أنه قال : " كان لقمان عبدا أسود ، عظيم
الشفتين ، مشقَّق القدمين " رواه الطبري في " جامع البيان " (20/135)، ومن أشهرهم
الصحابي الجليل بلال بن أبي رباح ، والتابعي الجليل عطاء بن أبي رباح ، وغيرهم ، لم
تكن أصولهم أو بشرتهم سببا لحرمانهم أو تمييزهم ، بل كانوا نماذج عظيمة في التاريخ
، وتبوؤوا المقامات العليا بين الناس ، ولم يكن ذلك سببا في النفور منهم أو التباعد
عن الاقتران بهم .
عن عبد الرحمن بن حرملة قال : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأل ، فقال له سعيد :
لا تحزن من أجل أنك أسود ، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان : بِلال ،
ومهجِّع مولى عمر بن الخطاب ، ولقمان الحكيم كان أسود نوبيا ذا مشافر . رواه الطبري
في " جامع البيان " (20/135)
رابعا :
وقد سبق في موقعنا بيان جواز تطلب الصفات الدنيوية في المخطوبة إلى جانب الخلق
والدين ، وذلك في الجواب رقم : (125907)،
وانظر: (131257)
والله أعلم .
تعليق