الحمد لله.
أولا :
إذا سألت المرأة زوجها الطلاق ، فقال : طالق ، ثم زعم أنه أراد شيئا غير تطليق زوجته ، كالهواء ، أو أراد أن زوجته طالق من وثاق مثلا ، فهذا يقبل منه ديانة أي فيما بينه وبين الله ، ولا يقبل منه قضاء وحكما ؛ لأن القضاء مبني على الظاهر ، فلو رفعت المرأة قضيتها للمحكمة ، قضت بالطلاق ، مراعاة لظاهر اللفظ .
وإذا كنت تثقين في صدق زوجك ودينه ، فلا ترفعي الأمر للمحكمة ، بل صدقيه فيما يدعيه ، ولك أن تطلبي الطلاق فيما بعد إن استمر في سوء عشرته .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " واعلم أنه إذا طلق فتارة ينوي الطلاق، وتارة ينوي غيره، وتارة لا ينوي شيئا، فإن نوى الطلاق وقع ولا إشكال فيه، وإن لم ينو الطلاق، بل قصد أنت طالق؛ أي: غير مربوطة فهذا لا يقع به الطلاق ... " انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 62).
وقال رحمه الله : " قوله: فإن نوى بطالق من وثاق يعني إن نوى بكلمة طالق طالقا من وثاق، فهل يقبل؟ يقول المؤلف: لم يقبل حكما فإن قال لزوجته: أنت طالق، وقال: أنا ناو طالقا من وثاق، يعني ما قيدت يديك ورجليك، فنقول: اللفظ يحتمل ولكن لا يُقبل حكما؛ أي: عند المحاكمة، فإن رافعته وحاكمته ما يقبل؛ لأن ما يدعيه خلاف ظاهر لفظه؛ لأن القاضي إنما يحكم بالظاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أقضي بنحو ما أسمع ، فإذا لم تحاكمه وصدقته ووكلت الأمر إلى دينه فهي زوجته، وأما فيما بينه وبين الله فإنه يقبل.
فإذا قال قائل: هل الأولى للمرأة أن تحاكمه لتطلق، أو تصدقه فلا تطلق؟
في هذا تفصيل، إذا كان الزوج ممن يتقي الله عز وجل، وعلمنا أنه صادق بقوله: إنه أراد طالق من وثاق، فيحرم عليها أن تحاكمه ؛ لأنها تعتقد أنه لم يطلقها وأنه صادق ، وأما إذا كان الرجل لا يخاف الله عز وجل وهو رجل متهاون ، فيجب عليها أن تحاكمه ، فإن ترددت في ذلك فالأولى ألا تحاكمه ؛ لأن الأصل بقاء النكاح " انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 64).
وقال رحمه الله : " ولكن الصحيح أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية، حتى في هذه الأحوال؛ لأن الإنسان قد يقول: اخرجي أو ما أشبه ذلك غضبا، وليس في نيته الطلاق إطلاقا، فقط يريد أن تنصرف عن وجهه حتى ينطفئ غضبهما، وقد تلح عليه تقول: طلقني، طلقني، فيقول: طالق، وهو ما يريد الطلاق، لكن يريد طالق من وثاق، أو طالق إن طلقتك فيقيده بالشرط ، فعلى كل حال الصحيح أنه لا يقع إلا بنية " انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 76).
وقوله : طالق ، ليس من طلاق الكناية ، لكن المقصود أنه إذا نوى به شيئا غير الطلاق ، لم يقع ، فيكون كالكناية حينئذ .
ثانيا :
لا يجوز للمرأة طلب الطلاق إلا إذا وجد العذر المبيح لذلك ، كسوء العشرة وتضييع الحقوق ؛ لما روى الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055)عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقوله : "من غير بأس" أي : من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة .
والنصيحة أن تناقشي زوجك في
أسباب تركه البيت ، وأن تسعي لحل المشكلة في جو من الود والتفاهم ، ولك أن تستعيني
بمن يساعد في ذلك من أقاربكما ومعارفكما .
نسأل الله أن يصلح حالكما ويهدي قلوبكما .
والله أعلم .
تعليق