الحمد لله.
أولاً:
نسأل الله لك ولأهلك الثبات على الدين والتوفيق للطاعة ، وإن القابض على الدين في هذه الأيام - وخاصة في بلاد الغرب - كالقابض على الجمر ، فعليك بتقوى الله في السر والعلن والمسارعة إلى الخيرات وكثرة سؤال الله الثبات ، والله يعينكم ويحفظكم .
وعلى المسلم أن يهاجر بدينه من بلاد الكفر والشرك فإن الدنيا أيام معدودة وساعات قلائل ولا يدري أين يدركه الأجل .
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ) رواه الترمذي ( 1604 ) وأبو داود ( 2645 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وانظر حول هذا الشأن جواب السؤال رقم (27211 ) .
الذي يظهر لنا أنه لا بأس
ببقائك في تلك البلاد ، على الأقل في هذه الفترة ، إلى أن يتم علاج أمك ، أو
إقناعها بالانتقال معك ، أو استغنائها عن وجودك بجانبها ، وبذلك يتحقق مصالح كثيرة
، إن شاء الله :
1. إرضاء والدتك ، وهذا يوافق ما أمر به الشرع من الإحسان إلى الأم وتعاهدها وبرها
، قال تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا
قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء / 23 .
2. القيام على علاج والدتك ؛ فربما لا تجد من يقوم على رعايتها وشأنها إلا أنت ،
وربما كان غيابك مما يزيد حزنها وألمها ومرضها ، وهذا الفعل نوع من أنواع الجهاد ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ فِى الْجِهَادِ فَقَالَ ( أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ) قَالَ :
نَعَمْ ، قَالَ ( فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ ) رواه البخاري ( 2842 ) ومسلم ( 2549 ) .
3. وفي بقائك مصلحة لإخوانك وأخواتك الصغار فإنهم يحتاجون إلى الرعاية الدائمة
والنصيحة التي لا تنقطع فلا يزالون بعيدين عن الفتن وهم بحاجة لتربيتهم على
الاستقامة والعفاف .
وأما ما ذكرت من الديون التي عليك : فإن مَن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ،
قال تعالى ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق/
2 ، 3 .
وانظر جوابي السؤالين (
5046 ) و ( 169551
) .
ثانياً:
العبرة ليست بكثرة المال وإنما بالبركة التي يضعها الله تعالى فيه ، فإذا بارك الله
في القليل أغناك ، وإذا نزعها من الكثير أفقرك .
ولا يلزمك أن تعمل في موطن يكون فيه الاختلاط ، بل احرص على العمل في المراكز
الإسلامية - مثلاً - أو خدمة الجاليات المسلمة ، أو غير ذلك من المهن التي تخلو من
المحاذير .
وعليك بالرحيل للمجتمع
المسلم القريب من عائلتك كما ذكرت فإن في ذلك خيراً لك ولأهلك .
وهذا كله إذا تعسر عيك إقناع والدتك ووالدك بالهجرة ، فإذا تمكنت من ذلك فلا تتردد
في الخروج والهجرة حفاظاً على الدين والنفس والعرض .
ولا بأس بأن تذهب معهم للعمرة أو الحج علَّ هذا يكون باب خير عليك وعليهم فتتبدل
آراؤهم في تمسكهم في تلك البلاد وتتغير نظرتهم إلى " العرق العربي " ، ونسأل الله
أن يختار لكم الخير ويوفقكم له .
والله أعلم
تعليق