الحمد لله.
سبق في موقعنا في الفتوى رقم : (119740) بيان وجوب خدمة الزوجة لزوجها ، ولكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال عدم مراعاة أحوال الزوجة وظروفها ، وبيان ذلك من أوجه عدة :
أولا :
الحمل مظنة الجهد والضعف ، وقد جاء وصف ذلك في القرآن الكريم في قوله سبحانه : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ) لقمان/14، قال مجاهد : جهدا على جهد ، وقال عطاء : ضعفا على ضعف . كما في " تفسير القرآن العظيم " (6/336) .
ومن المعلوم أن تكاليف الشريعة كلها مقيدة بحد القدرة والاستطاعة ، فقد قال الله عز وجل : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/286، وإذا كانت الخدمة تكليفا شرعيا ، فهي مقيدة أيضا بحد القدرة والاستطاعة ، فلا يحل للزوج تكليف زوجته ما لا تطيق من الجمع بين أعباء الحياة ، والعمل خارج المنزل ، والحمل بالأبناء ، وإذا كان الحمل عذرا لسقوط بعض الفرائض المجمع عليها كالصيام ، فمن باب أولى أن يكون عذرا يوجب على الزوج مراعاة زوجته والشفقة عليها في أمور الخدمة وإصلاح البيت .
ثانيا :
إذا كانت القاعدة الشرعية المتفق عليها تقرر أن " المشقة تجلب التيسير "، وقد جاءت شواهد الشريعة في التأكيد عليها ، فلا بد أيضا أن تقيد خدمة الزوجة لزوجها بما إذا كانت لا تؤدي بها إلى مشقة خارجة عن المعتاد ، أو مشقة مجهدة ، والله عز وجل لا يرضى أن تؤدي التكاليف بالناس إلى العسر والعنت ، فقال سبحانه وتعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185، وقال عز وجل : ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ) النساء/28، وقال جل وعلا : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/6.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالرقيق ، والخدم والمماليك ، ونهى أن يكلفهم مالكوهم شيئا يشق عليهم ، إلا وأعانوهم عليه :
( إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ) رواه البخاري (2545) ومسلم (1661) ؛ فكيف يكون الحال إذاً بامرأة الرجل وزوجته وصاحبته ؟!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اللهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ : الْيَتِيمِ ، وَالْمَرْأَةِ ) رواه أحمد في " المسند " (15/416) طبعة مؤسسة الرسالة ، وقال المحققون : إسناده قوي .
ثالثا :
وصيتنا للزوجة في آخر الجواب أن تحرص قدر المستطاع على منزلها ، وراحة جميع من فيه ، وأن تبذل جهدها في توفير السكينة والطمأنينة وجميع ما يحتاجه ، ولتسأل الله تعالى أن يعينها على ذلك ، ونحن نرجو الله تعالى أن يكرمها بإحسان الزوج إليها وإعانته لها إن هي أخلصت عملها لوجه الله ، ولم تقصد تقصيرا ولا إهمالا .
ولا نرى لك أن تذهبي إلى بيت والدتك ، لتأكلي فيه ، وتتركي زوجك ؛ بل ينبغي عليك أن تشاركيه شأنه ؛ فإن وجدت خفة ونشاطا وقوة ، فقومي له بخدمته ، وقضاء شأنه ؛ فكل النساء يحملن كما تحملين ؛ أفترين النساء يتركن بيوتهن ، ويدعن أزواجهن ؟!!
إننا إذا كنا نعذرك بما أنت فيه ، ونذكر زوجك بحقك ، فلا ينبغي أن تجعلي ذلك حجة لك في ترك ما تقدرين عليه من خدمته ، ورعاية شأنه .
وقد فهمنا أنك تعملين خارج البيت في فترة حملك ، ولا شك أن خدمة زوجك ورعاية بيتك مقدمة على ذلك ؛ فإذا لم يمكنك الجمع بين عملك وخدمة بيتك ؛ فخذي إجازة من عملك ، وتفرغي لبيتك وزجك في هذه الفترة .
وإذا لم يكن ذلك متاحا ، لظروف تخصك أنت ، فاستأجري من يساعدك على عمل بيتك ، وتحملي من راتبك أجرة من يعينك على ذلك .
نسأل الله أن يصلح لك شأنك ، ويعينك على الإحسان إلى زوجك ، وأن يصلح بينكما ، ويجمع بينكما في خير .
وللمزيد ، يرجى النظر في الفتاوى الآتية : (69960) ، (101405)، (153554)
والله أعلم .
تعليق