الحمد لله.
أولا :
نحمد الله عز وجل أن يسر إسلام هذه الفتاة وأنقذها من الكفر إلى الإسلام ومعرفة الدين الصحيح .
ثانيا :
بما أن هذه الزوجة قد تابت وأنابت إلى الله ، وشهد لها أهل الخير بذلك ، وكانت معصيتها قبل الإسلام فإن الإسلام يهدم ما قبله ؛ لأن الله تعالى قال في الكتاب العزيز : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ ) الأنفال/38 ، أي : كل ما سلف ، وروى مسلم (121) عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه قال : " لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ ، قَالَ : فَقَبَضْتُ يَدِي ، قَالَ : ( مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟ ) ، قَالَ : قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ ، قَالَ : ( تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ؟ ) قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ : ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ).
وقد كان الواجب عليها أن تقر عينا بإسلامها وبتوبة الله عليها ، ورحمته بها ، وأن لا تلتفت للوساوس الشيطانية التي يريد الشيطان أن يدخل بها الحزن على قلبها ، ويصرفها عن دينها ، كما كان الواجب عليها أن تستر نفسها ولا تخبر زوجها بشيء من المعاصي التي اقترفتها قبل إسلامها ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنه من يُبد لنا صفحته نُقم عليه كتاب الله تعالى عز وجل ) ، والقاذورات : يعني المعاصي .
رواه الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " ( 4 / 425 ) والبيهقي ( 8 / 330 ) . وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 149 ) .
ثالثا :
إذا كان عقد الزواج وقع بعد توبتها من الزنا كما هو الظاهر من حالها وشهادة أهل الخير لها ، وكان مستكمل الشروط من الشهود والولي والإيجاب والقبول ، فهذا العقد صحيح ولا يلزمكم إعادته .
وليس للزوج أن يفتش عما كان منها ، ولا أن يدقق فيما كان من أمرها ، ويستحلفها ويستكرهها ، بل له ما ظهر من صلاحها الآن ، وسريرتها إلى الله ، ولقد أحسن صنعا حينما ستر عليها ما فات منها ، مما كان قبل إسلامها ، أو حتى وقع منها في إسلامها ، وتابت منه .
بل إننا نلومه على حرصه على هتك ما ستر عنه ، والبحث عن أمر من الماضي ، لا يدري ما كان من أمره : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) المائدة/101 .
ثم من الذي ما ساء قط ، ومن له الحسنى فقط ، وأي عبد لله لم يلم بذنب ، فكلنا ذاك الرجل ، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أين كانوا قبل أن يمن الله عليهم بدينه ، وينقذهم بنبيه ، ألم يكونوا في ظلمات الشرك ؟ ألم يكونوا يعبدون الأصنام ؟ ألم يكونوا ... ، ألم يكونوا ... ؛ فدع ستور الماضي مرخاة على أصحابها ، وفوض أمرهم فيها إلى الذي يعلم السر وأخفى .
رابعا :
الديوث هو الذي يقر الخبث في أهله ، ويرضى بذلك ، يعني : أن تكون امرأته ـ الآن ـ تزني ، ثم هو يقرها على ما هي عليه من الخبث ، ويرضى به .
أما ما فعل صاحبك من الستر على هذه المرأة المسلمة حديثا فليس من الدياثة في شيء ، فهو منذ تزوجها وهي مستقيمة الحال مقيمة للصلاة بشهادته وشهادة أهل الخير لها ، بل هو مأجور على ستره لها والصبر على ذلك وتثبيتها على دينها ، ونبشره بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا : نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) رواه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
والله أعلم .
تعليق