الحمد لله.
حق الزوج على زوجته من أوجب الحقوق وأعلاها وأشرفها ، ويتوجب عليها توقيره وطاعته فيما يأمر به من المعروف , فقد روى أبو داود (2140) عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ ، لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
من هنا يعلم أن ما صدر منك تجاه زوجك من إهانة وتوبيخ أمر محرم لا يجوز , خصوصا وأنه لم يتعمد التقصير في حقكم يوم العيد , بل كان معذورا لظروف عمله الذي يتكسب منه لينفق عليكم ويلبي حاجاتكم , وقد كان من الواجب عليك أن تقدِّري هذا وتكوني عونا له على مصاعب الحياة , لا أن تكوني عونا للشيطان عليه باستفزازه والإساءة إليه , فبادري بالتوبة إلى الله سبحانه , والاعتذار لزوجك عما حدث منك , نسأل الله سبحانه أن يغفر لك .
وأما عن قول زوجك لك " يا مطلَّقة " - بتشديد اللام المفتوحة – فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا لفظ صريح يقع به الطلاق , قال ابن قدامة : " ولا يقع الطلاق إلا بصريح أو كناية . فالصريح : لفظ الطلاق وما تصرف منه ؛ لأنه موضوع له على الخصوص ، يثبت له عرف الشرع والاستعمال , فإذا قال: أنت طالق , أو مطلقة , أو طلقتك ، أو يا مطلقة ، فهو صريح " انتهى من " الكافي في فقه الإمام أحمد" (3 / 113).
وهذا هو المعتمد عن الشافعية أيضا . ينظر : "روضة الطالبين" (8/23) ، "أسنى المطالب" (3/270) .
وفقهاء الحنفية يفصِّلون في
هذه المسألة ويذكرون فيها ثلاث حالات :
الحالة الأولى :
إذا قال لزوجته " يا مطلقة " ونوى به الطلاق , فحينئذ يقع الطلاق عليها , قال
الكاساني: "ولو قال: يا مطلَّقة وقع عليها الطلاق ؛ لأنه وصفها بكونها مطلقة ، ولا
تكون مطلقة إلا بالتطليق " انتهى من " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " (3 / 101)
.
الحالة الثانية :
إذا قال لها " يا مطلَّقة " وقال : أردت به الشتم والسب , فلا يصدَّق في حكم القضاء
, ويصدَّق فيما بينه وبين الله تعالى , قال الكاساني : " فإن قال : أردت به الشتم
لا يصدَّق في القضاء ؛ لأنه خلاف الظاهر ؛ لأنه نوى فيما هو وصف أن لا يكون وصفا ,
فكان عدولا عن الظاهر فلا يصدِّقه القاضي ، ويصدَّق فيما بينه وبين الله تعالى ؛
لأنه قد يراد بمثله الشتم " انتهى من " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " (3 /
101).
الحالة الثالثة :
إذا قال لها " يا مطلَّقة " , وقال : عنيتُ أنها مطلقة من زوج قبلي , فحينئذ ينظر ,
فإن لم يكن لها زوج : وقع الطلاق ، ولا يلتفت إلى كلامه , وكذا لا يلتفت إلى كلامه
إن كان لها زوج قبله ، لكنه مات ولم يطلق , أما إن كان ذلك الزوج السابق قد طلقها
فعلا , فإن كان الزوج لم ينو بكلامه الإخبار : طلقت , وإن قال عنيت به الإخبار عن
الطلاق السابق ، فإنه يُديَّن فيما بينه وبين الله تعالى ، جاء في " الفتاوى
الهندية " (1 / 355) : " رجل قال لامرأته يا مطلقة , إن لم يكن لها زوج قبل ، أو
كان لها زوج ، لكن مات ذلك الزوج ولم يطلق : وقع الطلاق عليها , وإن كان لها زوج
قبله ، وقد كان طلقها ذلك الزوج : إن لم ينو بكلامه الإخبار : طلقت , وإن قال عنيت
به الإخبار : دُيِّن فيما بينه وبين الله تعالى , وهل يُدَيَّن في القضاء : اختلفت
الروايات فيه , والصحيح أنه يُدَيَّن " انتهى.
ونحو هذا أيضا لابن القاسم ،
صاحب الإمام مالك : أنه إن لم ينو به طلاقا ، لم يقع طلاق .
وقرره ابن رشد الجد ، في شرحه :
" أما إذا أراد بقوله لامرأته : يا مطلقة ذمها بأنها ممن قد طلق ، أو أن حالك كحال
المطلقة في كثرة الكلام ، وقلة الانطباع ، وما أشبه ذلك فلا إشكال في أنه لا شيء
عليه ، وأما إذا قال لها ذلك ابتداء على غير سبب ولا نية ، ففي لفظه في هذا الوجه
في الكتاب احتمال ، والأظهر منه أن الطلاق له لازم، ولو قال: أردت بذلك الكذب ، ولم
أرد به الطلاق لصدق في ذلك ، ولم يلزمه طلاق ، وإن كانت عليه بينة ، والله سبحانه
أعلم " انتهى من "البيان والتحصيل" (6/309) ، وقد اعتمد ذلك غير واحد من فقهاء
المالكية . ينظر : "التاج والإكليل" (5/310) ، "الفواكه الدواني" (2/35).
والحاصل :
أن أهل العلم اختلفوا في قول الرجل لامرأته : "يا مطلقة" : هل من صريح الطلاق ،
فيقع الطلاق بمجرد ذلك ، ولا يبحث عن نيته ، كما هو مذهب الشافعية والحنابلة ، أو
هو من ألفاظ الكنايات ، فيرجع فيه إلى نية قائله ، أو قرينة الحال ، كما هو مذهب
الأحناف والمالكية .
وما ذكرت من حال زوجك : من الغضب الشديد : فإن كان قد أغلق عليه فهمه لكلامه ، بحيث نطق الكلام وهو لا يدري ما يقول ، أو أغلق عليه قصده وإرادته ، بحيث قال ذلك تحت تأثير الغضب الشديد ، الذي سلبه إرادته التامة : فقد سبق بيان أن مثل هذا لا يقع طلاقه ، كما بيناه في الفتوى رقم : (131227) ، ورقم : (45174) .
وننصح بأن تصطحبي زوجك إلى أقرب مركز إسلامي من مكان إقامتكم ، ليقفوا من زوجك على حقيقة الحال .
والله أعلم .
تعليق