الحمد لله.
هذا الحديث رواه أبو نعيم رحمه الله في "حلية الأولياء" (3/ 196) فقال :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ جُمَيْعٍ قَالَ: " دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَا ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَأَبُو حَنِيفَةَ .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيُّ بِمِصْرَ , ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شُبْرُمَةَ قَالَ: " دَخَلْتُ أَنَا ، وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ فقَالَ لِابْنِ أَبِي لَيْلَى: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ لَهُ بَصَرٌ وَنَفَاذٌ فِي أَمْرِ الدِّينِ ، قَالَ : لَعَلَّهُ يَقِيسُ أَمْرَ الدِّينِ بِرَأْيِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَقَالَ جَعْفَرٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ : مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ: نُعْمَانُ ، قَالَ : يَا نُعْمَانُ هَلْ قِسْتَ رَأْسَكَ بَعْدُ ؟ قَالَ : كَيْفَ أَقِيسُ رَأْسِي ؟ ، قَالَ: مَا أُرَاكَ تُحْسِنُ شَيْئًا، هَلْ عَلِمْتَ مَا الْمُلُوحَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ ، وَالْمَرَارَةُ فِي الْأُذُنَيْنِ ، وَالْحَرَارَةُ فِي الْمِنْخَرَيْنِ ، وَالْعُذُوبَةُ فِي الشَّفَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا ، فَقَالَ جعفر: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللهَ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ جَعَلَ لِابْنِ آدَمَ الْمُلُوحَةَ فِي الْعَيْنَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا شَحْمَتَانِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَذَابَتَا، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ جَعَلَ الْمَرَارَةَ فِي الْأُذُنَيْنِ حِجَابًا مِنَ الدَّوَابِّ ، فَإِنْ دَخَلَتِ الرَّأْسَ دَابَّةٌ وَالْتَمَسَتْ إِلَى الدِّمَاغِ فَإِذَا ذَاقَتِ الْمَرَارَةَ الْتَمَسَتِ الْخُرُوجَ ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ جَعَلَ الْحَرَارَةَ فِي الْمِنْخَرَيْنِ يَسْتَنْشِقُ بِهِمَا الرِّيحَ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَنْتَنَ الدِّمَاغُ ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ لِابْنِ آدَمَ جَعَلَ الْعُذُوبَةَ فِي الشَّفَتَيْنِ يَجِدُ بِهِمَا اسْتِطْعَامَ كُلِّ شَيْءٍ وَيَسْمَعُ النَّاسُ بِهَا حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ ) .
فهذان إسنادان لأبي نعيم
لهذا الحديث ، أما الأول فإسناد باطل ، عمرو بن جميع كذاب ، كذبه ابن معين ، وقال
الدارقطني وجماعة: متروك ، وقال ابن عدي: كان يتهم بالوضع ، وقال البخاري: منكر
الحديث .
انظر : "ميزان الاعتدال" (3/ 251) .
وأما الإسناد الثاني ففيه محمد بن عبد الله القرشي ، لم نجد له ترجمة .
وفيه هشام بن عمار الدمشقي ، وهو متكلم فيه ، وقد كان يقبل التلقين ، قال أبو حاتم:
صدوق وقد تغير، فكان كلما لقنه تلقن .
وقال أبو داود : حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها.
"ميزان الاعتدال" (4/ 302) .
وقد رواه هشام مقطوعا ، من قول جعفر بن محمد كما سيأتي ، وهو أشبه .
ثم هو مع ذلك مرسل ؛ فإن جد جعفر بن محمد : هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ،
وهو من التابعين .
وله شاهد يرويه تمام في "الفوائد" (262) :
ثنا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي الْعَقَبِ أَمْلَى ، ثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى
الْمَرْوَرُوذِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ ، ثنا مُغِيثُ بْنُ بُدَيْلٍ
، ثنا وَلَدُ خَارِجَةَ ، ثنا خَارِجَةُ ، عن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنِي
أَبِي ، عَنْ آبَائِهِ، عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وخارجة بن مصعب متروك واه ، قال أحمد : لا يكتب حديثه ، وقال ابن نمير : ليس بثقة ،
وقال أيضا : ليس بشيء ، وقال مرة : كذاب ، وقال ابن معين: ليس بشيء ، وقال البخاري
: تركه ابن المبارك ، ووكيع ، وقال يحيى بن يحيى : كان يدلس عن غياث بن إبراهيم ،
وغياث ذهب حديثه ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال مرة : ليس بثقة . وقال ابن
سعد : اتقى الناس حديثه فتركوه ، وقال ابن خراش ، والحاكم أبو أحمد : متروك الحديث
، وقال ابن حبان : كان يدلس عن غياث بن إبراهيم وغيره ، ويروي ما يسمع منهم مما
وضعوه على الثقات ، عن الثقات الذين رآهم ، فمن هنا وقع في حديثه الموضوعات عن
الأثبات ؛ لا يجوز الاحتجاج بخبره .
"تهذيب التهذيب" (3/ 77-78) .
وولد خارجة لا يعرف من هو ، فهو مجهول ، فهذا الإسناد واه جدا أيضا .
وقد رُوى هذا الخبر عن جعفر
من محمد من قوله :
- فرواه الزبير بن بكار في "الأخبار الموفقيات" (ص 19-20) :
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَأُمُّ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جَعْفَرِ ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ يَحْيَى الرَّبَعِيُّ، عن ابْن
شُبْرَمَةَ عن جعفر به .
- ورواه وكيع في " أخبار القضاة " (3/ 77) من طريق سليمان بْن جعفر فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللهِ الزهري فقال: حَدَّثَنَا ابن شُبْرُمَةَ عن
جعفر بن محمد به .
- ورواه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 464) من طريق أَحْمَد بْن عَلِيٍّ
الْأَبَّارُ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ , عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ , عن جعفر به .
- ورواه أبو الشيخ في "العظمة" (5/ 1626): حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْمَالِكِيُّ ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ عن جعفر به .
والخلاصة :
أن هذا الخبر ضعيف جدا مرفوعا ، وأحسن أحواله أن يكون من قول جعفر بن محمد بن علي
بن الحسين رحمه الله .
وننبه الأخ السائل إلى أن
ضعف الحديث إنما يعرف بصناعة الحديث وفنه ، بالنظر في أسانيده وعلله ورجاله ، لا
يعرف بمجرد الظن .
وأما أن يكون الحديث مخالفا لحقيقة علمية : فهذا باب من النظر والإعلال ، ينبغي
التأني فيه غاية التأني ؛ فربما لم تكن الحقيقة قد بلغت مرحلة القطع بها بعد ،
وإنما هي مجرد نظريات ، أو احتمالات ، أو نحو ذلك .
وربما لم يكن الحديث ، وفقا لدلالته في لسان العرب : يعرض لهذه القضية العلمية أصلا
، فضلا عن أن يعارضها ؛ وإنما توهم ذلك فيه من تأوله على بعض ما في ظنه .
والله أعلم .
تعليق