الحمد لله.
أخي الحبيب كم نحن نفتقر في كثير من الأحيان إلى النظرة المتوازنة للأشياء والحقائق ، وكم نجد في حياتنا اليومية من المشكلات التي تعود في أصل تكوينها إلى إفراط جامح ، أو تفريط فاضح ، ولاغنى لطالب السعادة والنجاح في هذه الدنيا أن يسير معتدلاً ، دون أن يغلب جانباً على آخر ، وبذلك يعمر قلبه الإيمان ، ويطمئن في عمل ما يطلب منه ، و إن ما تشكو منه ليس عائداً إلى جهل بأصل القضية ، وإنما هو عائد إلى تغليبك لجوانب الخوف وتكثيرك لأسبابها ، وتجاهلك لجوانب الفأل والتقصير في أخذها .
أخي المسلم ...
لقد علمت أن الموت حقيقة قادمة لكل حي موجود ، لا يتخلف عن ذلك أحد مهما شرفت منزلته عند الله ، فهذا نبي الله تعالى أشرف الخلق قال الله له : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) الزمر/30 ، وقال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) آل عمران/185
وقال الشاعر : كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
إن الخوف المحمود من الموت هو ذلك الذي يدعو الإنسان للبحث عن حاله ، ومراقبة نفسه ومحاسبتها عن أعمالها السيئة ، فإن هذا الخوف هو الذي يدعو المرء إلى البعد عن المعاصي ومداومة الاستغفار والتوبة ، وأما الخوف الذي يكوّن لدى الإنسان حالة هلع وتوجس وترقب لخطر قادم ، يجعله يعيش مكتوف الأيدي ، و يثنيه عن العمل ويؤخره عن واجباته فهذا خوف مذموم ، وصاحبه بحاجة لأن يجد ويجتهد في العمل على إزالته والحد منه ، ولعلك أخي السائل تشعر بهذا ، وتظن أن هذه الوسوسة هي أجراس الخطر ومؤشرات النهاية ، وليس الأمر كذلك ، غاية ما في الأمر أن هذه وسوسة من الشيطان الرجيم ، ليوهن قلب المؤمن ، وينغص عليه حياته ، ليس من ورائها أي حقيقة تذكر ، ولهذا تجد أن ذهابك إلى المستشفى لإجراء الفحوصات أكد لك أنك بخير ، الأمر الذي أدى لتحسنك وطمأنينتك ، ولعلنا نساعدك بما يعينك على التخلص من هذه الوسوسة وذلك في النقاط التالية :
الأولى :
تحريك جذوة الإيمان التي في فؤادك بأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، قال تعالى : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/29 ، وما الموت إلا من قضاء الله وقدره الذي لا حيلة لابن آدم في دفعه ، أو الحيلولة دون وقوعه ، قال تعالى : ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) يونس /49 ، وقال تعالى : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) النساء / 78
وإذا كان كذلك فإن الخوف من الموت لا يؤخر ولا يقدم ، ولن تجني منه سوى النكد والأسى ، فلن يأتيك أجلك إلا إذا أراد الله في وقته المعلوم ، لن يتقدم عن ذلك ، سواءً خفت من الموت أو لم تخف ، وسواءً فكرت في نهايتك كيف ستكون أم لا ، كل مافي الأمر أنك لن تجني من خوفك هذا إلا ضيق الصدر ونكد المعاش ، وهذا خلاف ما أراد الله للمؤمنين من الحياة الهانئة المستقرة المطمئنة قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل /97 .
الثانية : تذكر لطف الله بعباده المؤمنين ورحمته بهم ، فإنه الودود الرحيم الغفور ، الذي سبقت رحمته غضبه ، يمن على العاصين بالمغفرة الواسعة ، قال تعالى : ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ) النساء /147
والمؤمن موعود بالجنة إذا مات ، فلا يحول بينه وبين الجنة إلا الموت ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من عبد يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار ) رواه مسلم 47
الثالثة : كن دائم التوكل على الله تعالى في كل أمورك ، واعلم أن في التوكل قطعاً لدابر الوسوسة وحسماً لمادتها ، وإذا عزمت على فعل فلا تلتفت إلى الخلف ، وإذا شعرت بهذه الهواجس فالجأ إلى الله تعالى بالاستعاذة قال تعالى : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأعراف/200
الرابعة :
ارفع رأسك للأمام وابدأ حياتك اليومية بكل ثبات ويقين ، وباشر كل أعمالك بنشاط وطمأنينة ، فكم في هذه الدنيا من المبشرات التي تبعث الأنس والطمأنينة في النفوس لتألف نظرة مشرقة متفائلة ، تعيد للإنسان الأمل وتزرع في النفس اليقين .
وأما سؤالك : مالذي سيحصل لك ولعائلتك في المستقبل ؟
فسبحان الله !
أأنت الذي خلقتهم ؟ أو أنت الذي رزقتهم ؟ أو أنت الذي تتكفل بتدبير حوائجهم ؟
لا ولكنه الله تعالى ، الذي هو أرحم بهم منك ، وثق تماماً أن الله لن يضيعهم سبحانه وبحمده ، فهذا الأمر ليس إليك ابتداؤه ولا منتهاه ، ولو فكر الناس بمثل هذه الطريقة ما عاش أحد مرتاح الفكر والبال ، ولكن الحمد الله الذي ضمن الرزق لكل أحد قال تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) هود /6
فاطرد عنك هذا التفكير .
الخامسة :
عليك بكثرة الدعاء أن يطرد الله عنك هذه الوساوس ، ادعه بكل خشوع وتضرع ، مظهراً له العجز والفقر ، وثق تماماً أنه يجيبك على ذلك ، قال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة /186
وأما الذين يموتون بسبب الحوادث ؛ فلا يدل موتهم بهذه الطريقة على سوئهم أبداً ، بل ربما مات بهذه الطريقة من هو في عداد الصالحين ، وتأمل هذا الحديث النبوي الشريف الذي سيعينك على إزالة هذا الإشكال ، قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) رواه البخاري برقم 615
فانظر إلى من يموت بالغرق ، أو يموت بالحرق ، أو من يموت بالهدم أليس كل ذلك مما يفزع ، ولكن ذلك لم يدل على سوئهم ، بل سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم شهداء ، وهي قمة الكرامة والشرف ، فليس طريقة الموت مؤشراً على سوء الميت ، ولكن الله تعالى بحكمته يقضي أن يموت بعض الناس بهذا ،ربما لكي يرفع منازلهم في الجنة ، أو ليكفر عنهم ذنوبهم ، أو لحِكم أخرى لا نعلمها .
نسأل الله أن يوفقك لحسن العمل ، وحسن التفكير .
تعليق