الجمعة 7 جمادى الأولى 1446 - 8 نوفمبر 2024
العربية

قصة نفي عمر لنصر بن حجاج من المدينة ؟

201633

تاريخ النشر : 06-08-2013

المشاهدات : 129231

السؤال


قيل بأن عمر بن الخطاب نفى نصر بن الحجاج لجماله الفائق ؟ هل هذا صحيح ؟ وما سبب ذلك ؟

الجواب

الحمد لله.


ورد خبر نفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصر بن الحجاج إلى البصرة لئلا تفتن به نساء أهل المدينة من طرق متعددة ، مختصرا ومطولا :
فرواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (2/762) عن قتادة ، والخرائطي في "اعتلال القلوب" (2/ 392) ، وابن الجوزي في "ذم الهوى" (ص123) عن مُحَمَّد بْن الْجَهْمِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ به مطولا .
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/ 322) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (62/ 21) عَنِ الشَّعْبِيِّ ، وابن سعد في "الطبقات" (3/216) عن عبد الله بن بريدة ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (62/ 23) عن محمد بن سيرين .

وملخص هذه القصة أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعُسُّ بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تَتَغَنَّى بِأَبْيَاتِ تَقُولُ فِيهَا:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** هل من سبيل إلى نصر بن حجاج
فَدَعَا بِهِ فَوَجَدَهُ شَابًّا حَسَنًا ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ ، فَازْدَادَ جَمَالًا فَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ لِئَلَّا تَفْتَتِنُ بِهِ النِّسَاءُ .
ثمَّ إِنَّه بعث يطْلب الْقدوم إِلَى وَطنه ، وَيذكر ألا ذَنْب لَهُ فَأبى عَلَيْهِ ، وَقَالَ: أما وَأَنا حَيّ فَلَا .
وذكر القصة غير واحد من أهل العلم ، منهم السمعاني في "الأنساب" (3/ 156)
، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من "مجموع الفتاوى" : (11/552) ، (15/ 313) ، (28/109) ، (28/371) ، وابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/ 284) ، والحافظ ابن حجر في "الإصابة" (6/ 382) ، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/ 132) ، وغيرهم من أهل العلم .
وقال الدارقطني رحمه الله في "المؤتلف والمختلف" (4/ 2205):
" نَصْر بن الحَجَّاج يقال: هو ابن الحَجَّاج بن علاط السُّلَمِيّ , كان في أيام عُمَر بن الخَطَّاب , كان موصوفا بالجمال , وهو الذي يقال فيه :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** أم هل سبيل إلى نَصْر بن حَجَّاج
انتهى .
وذكر نحوه ابن عبد البر في "الاستيعاب" (1/326) ، وابن ماكولا في "الإكمال" (1/560) ، وابن الأثير في "أسد الغابة" (1/ 456)
وقال الحافظ رحمه الله :
" وَقَفْتُ فِي كِتَابِ الْمُغربِينَ لِأَبِي الْحسن الْمَدَائِنِي مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ قَوْمًا يَقُولُونَ : أَبُو ذُؤَيْبٍ أَحْسَنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَدَعَا بِهِ فَقَالَ : أَنْتَ لَعَمْرِي فَاخْرُجْ عَن الْمَدِينَة ، فَقَالَ إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنِي، فَإِلَى الْبَصْرَةِ حَيْثُ أَخْرَجْتَ يَا عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ . وَذَكَرَ قِصَّةَ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ " .
انتهى من" فتح الباري" (12/ 159-160) .

فهذه القصة مشهورة باستفاضة في كتب أهل العلم ، قد رويت من طرق متعددة ، ولكن لا يسلم طريق منها من مقال ، وأصح طرقها طريق عبد الله بن بريدة مرسلا ، ولكن انتشارها وذكرها في كتب أئمة المسلمين وحفاظهم العارفين بالتواريخ والسير ، مع ورودها من تلك الطرق المتعددة يدل على ثبوت أصلها .
ثانيا :
من جهة التكييف الفقهي : فهذا من باب تقديم المصلحة العامة على الخاصة . فإلحاق الضرر بالمصلحة الخاصة لأجل المصلحة العامة متعين في الجملة .
قال بدر الدين الزركشي رحمه الله في "المنثور في القواعد الفقهية" (1/ 348-349):
" قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : أَجْمَعُوا عَلَى دَفْعِ الْعُظْمَى فِي ارْتِكَابِ الدُّنْيَا ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ أَنْ تُدْرَأَ أَعْظَمُ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا ، إذَا تَعَيَّنَ وُقُوعُ إحْدَاهُمَا ، وَأَنْ يَحْصُلَ أَعْظَمُ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَرْكِ أَخَفِّهِمَا إذَا تَعَيَّنَ عَدَمُ إحْدَاهُمَا . قَالَ : وَأَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ ، لَا أَنَّهُ عَامٌّ مُطْلَقًا ، حَيْثُ كَانَ وَوُجِدَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : إذَا تَعَارَضَ مَصْلَحَتَانِ حَصَلَتْ الْعُلْيَا مِنْهُمَا بِتَفْوِيتِ الدُّنْيَا ".

وقال السرخسي رحمه الله في " المبسوط " (9/ 45) :
" وَإِنْ ثَبَتَ النَّفْيُ عَلَى أَحَدٍ ؛ فَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ ، لَا بِطَرِيقِ الْحَدِّ ، كَمَا نَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيتَ الْمُخَنَّثَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَنَفَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ مِنْ الْمَدِينَةِ حِينَ سَمِعَ قَائِلَةً تَقُولُ :
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبُهَا ** أَوْ هَلْ سَبِيلٌ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
فَنَفَاهُ ، وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ ، وَلَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ " انتهى .
وقال الألوسي رحمه الله :
" قد يغرب الإمام لمصلحة يراها ، كما صح أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غرب نصر بن حجاج إلى البصرة بسبب أنه : لجماله ، افتتن بعض النساء به " انتهى من "تفسير الألوسي" (9/ 280) .

فإن قيل : فإن نساء أهل البصرة سيفتنون به بعد تحوله إليها ، فماذا صنعنا ؟ نقلنا الفتنة من مكان إلى مكان ، ولم نحسم مادتها !
فالجواب أن يقال :
أولا : نفيه من بلده وانتقاله من وطنه بما يشبه العقوبة ، يضعف داعي الفتنة في نفسه وفي غيره ، ويعلّم الناس محاربة الهوى وذم الفاحشة ، فإذا علم الناس في زمان عمر الذي يخاف الشيطان منه ويفرق من حضرته أن هذا الرجل إنما نفاه خوف الفتنة : اتقوا الفتنة به ، وحذروا منها ، فكأنه قيل لأهل البصرة ، قد نفيت هذا إلى بلدكم لئلا يساكنني ببلد ، فاتقوا الفتنة به .
ثانيا : أن المغترب ليس كالمستوطن ، فإنه في بلد الغربة ينشغل بحال نفسه وبالكسب والعمل ، مما يرفع عنه الرفاهية التي كان يتمتع بها في بلده ، وبين أهله وعشيرته ، وهذا يقلل من جماله ويشغله عن الاعتناء بنفسه وهندامه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" نَفَى عُمَر بْن الْخَطَّابِ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَمِنْ وَطَنِهِ إلَى الْبَصْرَةِ ، لَمَّا سَمِعَ تَشْبِيبَ النِّسَاءِ بِهِ ، وَكَانَ أَوَّلًا قَدْ أَمَرَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ ؛ لِيُزِيلَ جَمَالَهُ الَّذِي كَانَ يَفْتِنُ بِهِ النِّسَاءَ ، فَلَمَّا رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْنَتَيْنِ ، غَمَّهُ ذَلِكَ ، فَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ ؛ فَهَذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ذَنْبٌ وَلَا فَاحِشَةٌ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا ؛ لَكِنْ كَانَ فِي النِّسَاءِ مَنْ يَفْتَتِنُ بِهِ ، فَأَمَرَ بِإِزَالَةِ جَمَالِهِ الْفَاتِنِ ؛ فَإِنَّ انْتِقَالَهُ عَنْ وَطَنِهِ مِمَّا يُضْعِفُ هِمَّتَهُ وَبَدَنهِ ، وَيُعْلَمُ أَنَّهُ مُعَاقَبٌ ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الَّذِينَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ الْفَاحِشَةُ وَالْعِشْقُ قَبْلَ وُقُوعِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُعَاقَبَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/ 313) .

ثالثا : أن حصول ذلك ونقله وإعلام الناس به : يربي في أنفس الأجيال محاربة الفتنة ، ويعلّم ولاة الأمور بابا من أبواب السياسة الشرعية ، وكيف يقدمون المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، ويبين أن الفتنة بالنساء من أعظم الفتنة .
رابعا : تقتضي حرمة المدينة إخراج من تفتن به النساء منها ، فيسيّر منها إلى بلد آخر ، رعاية لحرمتها وشرفها .
وينظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (151671) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب