الحمد لله.
أولاً :
الذبح عند اكتمال المنزل أو في أثنائه لا يخلو من حالين :
الحال الأولى :
أن يكون القصد من الذبح اتقاء الجن ، أو السلامة من الشرور ، أو دفع العين ونحو ذلك من الاعتقادات الفاسدة : فهذا منكر ، بل قد يصل إلى الشرك الأكبر إن كان الذبح لقصد إرضاء الجن ، والتقرب إليهم ؛ لأن الذبح عبادة ، ولا يجوز صرفها لغير الله تعالى.
الحال الثانية :
أن يكون المقصد من الذبح إظهار الفرح والسرور ، وشكر الله تعالى على ما أتمه عليه من النعمة ؛ فهذا جائز ، لا حرج فيه إن شاء الله ؛ ولا فرق بين الذبح في أثنائه ، أو عند اكتماله أو في البيت أو عند الجزار .
وقد ذكر الفقهاء أن الوليمة عند الفراغ من بناء المسكن الجديد : مستحبة ، واسمها عندهم "الوكيرة" .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"فأما سائر الدعوات ـ غير الوليمة ـ كدعوة الختان ، وتسمى الإعذار ، والعَذِيرة ، والخُرْس والخُرسة عند الولادة ، والوَكِيرة ، دعوة البناء ، والنقيعة لقدوم الغائب ، والحِذاق عند حذق الصبي ، والمأدُبة اسم لكل دعوة ، لسبب كانت أو لغير سبب : ففعلها مستحب ؛ لما فيه من إطعام الطعام ، وإظهار النعمة ، ولا تجب الإجابة إليها " انتهى من "الكافي" (3/120) .
وينظر جواب السؤال رقم : (89705) ، ورقم : (77208) .
ثانياً:
إذا كان الإمكان ذبح شاة - خروف - أو ما فوقها : فهو حسن ؛ وإلا فلا حرج عليه في ذبح ما يمكنه ، ولو دجاجة .
قال المرداوي رحمه الله :
"(وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، وَلَوْ بِشَاةٍ فَأَقَلَّ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ " انتهى من "الإنصاف" (8/316) .
وَقد ثبت عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ : " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ" . رَوَاهُ أَحْمَدُ (13575) ، وَمُسْلِمٌ (1365) .
وَفِي رِوَايَةٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبْنِي بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إلَى وَلِيمَتِهِ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إلَّا أَنْ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالْأَقِطُ وَالسَّمْنُ ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ " . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
قال الصنعاني رحمه الله :
" فِيهِ إجْزَاءُ الْوَلِيمَةِ بِغَيْرِ ذَبْحِ شَاةٍ" انتهى من "سبل السلام" (2/232) .
والحاصل :
أنه لا حرج على والدك في ذبح ما تيسر له ، متى كان ذلك بقصد شكر نعمة الله ، وإظهار السرور ، لا لأجل اعتقاد باطل .
ولا نعلم حرجا في أن يذبح الآن ، وإن كان الفقهاء يذكرون أن ذلك عند اكتمال البناء ، لكن يبدو أن ذلك هو تقرير لعادة الناس في مثل ذلك .
ولا يتعين للذبح مكان معين ، وإذا خشي من اعتقاد باطل بذبح الشاة ونحوها في المنزل : فالأولى أن يذبح بعيدا عنه ، دفعا لتوهم نفع الذبح في هذا المكان ، وسدا لذريعة الشرك ، والتعلق بغير الله .
والله أعلم .
تعليق