الحمد لله.
أمر الله سبحانه الأزواج أن يعاشروا زوجاتهم بالمعروف فقال تعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 .
قال ابن كثير رحمه الله : " أي : طيِّبُوا أقوالكم لهن ، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها ، فافعل أنت بها مثله ، كما قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي ) وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة ، دائم البِشْرِ ، يُداعِبُ أهلَه ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك ، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها " انتهى من " تفسير ابن كثير" (2 /242) .
وقال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/ 228 .أي : "ولهن على الرجال من الحق ، مثل ما للرجال عليهن ، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف " .
انتهى من "تفسير ابن كثير" (1 /609) .
ولا شك أن هجر الزوجة ، وترك الحديث معها دون سبب معتبر : ليس من المعاشرة بالمعروف ، بل هو إضرار كبير بها كما نص على ذلك أهل العلم .
جاء في " التاج والإكليل لمختصر خليل " (5 / 265) :" إذَا قَطَعَ الرَّجُلُ كَلَامَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ ، أَوْ حَوَّلَ وَجْهَهُ عَنْهَا فِي فِرَاشِهَا : فَذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ بِهَا " انتهى.
وفي " مواهب الجليل في شرح مختصر خليل " (4 / 17) : " مِنْ الضَّرَرِ قَطْعُ كَلَامِهِ عَنْهَا ، وَتَحْوِيلُ وَجْهِهِ فِي الْفِرَاشِ عَنْهَا ، وَإِيثَارُ امْرَأَةٍ عَلَيْهَا ، وَضَرْبُهَا ضَرْبًا مُؤْلِمًا " انتهى.
ومع تقديرنا لكل ما مررت به من المعاناة ، فإن من رأينا ، ونصيحتنا لك : أن تعطي زوجك فرصة أخيرة , خصوصا بعدما دعاك إلى الرجوع إلى بيته , فالظروف المعقدة من حولك تدعونا لنكون أكثر احتمالا وتصبرا ، وتفكيرا في الأمر بمنطق يرى جوانب الصورة كلها ؛ فإن استقامت أحواله ، وأحسن معاملتك ومعاشرتك : فهذا هو المطلوب ، والحمد لله ، وإن استمر على ما هو عليه من الهجر والإساءة ، فمن حقك ـ حينئذ ـ طلب الطلاق منه , وأنت قد أعذرت من نفسك .
فإن أصر على عدم الطلاق ، فلم يبق أمامك حينئذ إلا اللجوء إلى القضاء الشرعي إن وجد , وإن لم يوجد فعليك أن تختلعي منه ، وحسابه عند ربه , وقد قال رب العالمين ، سبحانه وتعالى ( وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النور/ 64.
وفي أثناء تلك المعاناة : فليس أنفع لك من دوام ذكر الله تعالى ، وتلاوة كتابه ، مع الحرص على ما أمرك الله به من الصلوات ، وسائر الطاعات ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) البقرة/153
والله أعلم.
تعليق