الحمد لله.
جعل الشرع الشريف الولي شرطا في صحة نكاح المرأة ، فلا يجوز للمرأة أن تتولى نكاح نفسها أو غيرها ، لا أصالة ولا نيابة ولا وكالة ، ولو باشرت العقد كان النكاح باطلاً ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود (2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709).
وولي المرأة هو : أبوها ، ثم أبوه ، ثم ابنها ثم ابنه (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها ، ثم أخوها لأبيها فقط ، ثم أبناؤهما ، ثم العمومة ، ثم أبناؤهم ، ثم عمومة الأب، ثم السلطان , وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (172671) .
هذا بخصوص النكاح .
أما فيما يتعلق بالمال فيجوز
للمرأة البالغة العاقلة الرشيدة أن تتولى مالها ، وتتصرف فيه كما تشاء ، بعوض أو
بغير عوض كبيع أو شراء ، أو إجارة ، أو إقراض ، أو تصدق أو هبة كله أو جزء منه ،
وليس لأحد أن يمنعها من ذلك ، ولا تحتاج إلى إذن أحد ، سواء كانت بكراً ذات أب ، أو
غير ذات أب ، أو ذات زوج , إلا أن ذات الزوج ينبغي أن تستأمر زوجها فيما يعرض لها
من أمر لها ، لتستطيب نفسه بذلك .
وخالف في ذلك المالكية في المتزوجة فجعلوا من حق الزوج أن يحجر عليها في مالها فيما
فوق الثلث , فلا تتصرف فيما فوق الثلث إلا بإذنه , والجمهور على خلاف ذلك .
قال النووي رحمه الله تعالى " تصرف المرأة في مالها جائز ولا يشترط إذن الزوج سواء
تصرفت في الثلث أو أكثر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال مالك: لا تتصرف فيما فوق
الثلث إلا بإذنه " انتهى.
وينظر ما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8190).
فالشريعة المطهرة تفرق في حق
المرأة بين ما يختص بمالها ؛ فالمرأة فيه كالرجل ، ما دامت بالغة رشيدة ، فلها
التصرف في مالها كما تشاء ، ما دام في المباح , وبين ما يختص بالنكاح فجعلت أمر
نكاحها بيد وليها ، فلا يجوز لها أن تتصرف فيه إلا من خلال الولي .
ولا شك أن هذا كله من حكمة الشرع ؛ لأن عقد النكاح من مقاصده إشباع شهوة الفرج لدى
الزوجين , فلو ترك للمرأة مباشرة العقد لكان هذا قادحا في مروءتها ، خادشا لحيائها
، مشعرا بتوقانها (أي : شوقها) إلى الرجال ، فصان الشرع المرأة عن هذا ، ووكل
مباشرة العقد لوليها .
جاء في روضة الناظر وجنة المناظر (1 / 479)"..... الضرب الثاني: ما يقع موقع
التحسين والتزيين، ورعاية حسن المناهج في العبادات والمعاملات، كاعتبار الولي في
النكاح؛ صيانة للمرأة عن مباشرة العقد؛ لكونه مشعرًا بتوقان نفسها إلى الرجال، فلا
يليق ذلك بالمروءة، ففوض ذلك إلى الولي؛ حملًا للخلق على أحسن المناهج" انتهى.
وفي هذه المسألة بعينها يقول السبكي رحمه الله " ....لأن الأليق بمحاسن العادات
استحياء النساء عن مباشرة العقد ؛ لأن ذلك يشعر بتوقان نفسها إلى الرجال ، وذلك غير
لائق بالمروءة ، ففوضه الشرع إلى الولي حملا للخلق على أحسن المناهج" انتهى من
الإبهاج في شرح المنهاج (3 / 57).
وبعض العلماء يعلل هذا أيضا بأن المرأة سريعة التأثر بالعواطف , وعادة ما تغلب
عاطفتُها عقلَها , وسرعان ما تغتر بالظواهر دون النظر في بواطن الأمور ومآلاتها ,
فلو ترك لها أهلية عقد الزواج , لسارعت إلى تزويج نفسها للكفؤ أو غيره , وللصالح أو
الفاسد , هكذا بادي الرأي ودون تمهل أو روية أو نظر , وهذا فيه من الفساد ما فيه.
والله أعلم.
تعليق