الحمد لله.
أولا :
الدعاء من أجلّ العبادات وأفضل القربات ، فعلى الداعي أن يتأدب بآداب الدعاء ، التي منها : أن لا يعتدي فيه ؛ فإن الله لا يحب المعتدين.
ومن الاعتداء فيه أن يتعهد دعاءً مخترعا يدعو به ، ويجعله وردا له ، يلازمه ملازمة الأوراد الشرعية ، ويدعي له الفضل والأثر الصالح ، وقرب الإجابة من الله ، ثم يحث عليه ، ويدعو الناس إليه ، حتى يصير عنده بمنزلة الأوراد والأدعية الشرعية أو أفضل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع ، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء ، وسالكها على سبيل أمان وسلامة ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس .
وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس ؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به .
وفي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ، ونهاية المقاصد العلية ، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد " .
انتهى ملخصا من "مجموع الفتاوى" (22 /510-511) .
وقال القاضي عياض رحمه الله :
" قد احتال الشيطانُ للناس من هذا المقام ، فقيَّض لهم قومَ سوء يخترعون لهم أدعيةً يشتغلون بها عن الاقتداء بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " .
انتهى من "الفتوحات الربانية" – لابن علان (1/17) .
ثانيا :
لا يجوز أن ينسب إلى ذكر أو ورد أو دعاء مخترع فضل مخصوص ؛ لأن هذا تشريع في الدين لم يأذن به الله .
فقول القائل عن دعاء مخترع ، صاغه بعض الناس بهذه الصيغة المبتكرة التي لا تعهد في صيغ الدعاء المشروعة : إنه دعاء نافع ومستجاب ، ونحو ذلك ، قول بغير دليل ، وتقول على الشرع ، وكل هذا لا يجوز .
والشريعة لا تثبت بالتجربة ، إنما تثبت بنصوص الكتاب والسنة .
وهذه الأدعية التي انتشرت في المنتديات وبعض المواقع ، كدعاء المحبة وتسخير القلوب ، ودعاء تسير الزواج ، ونحو ذلك ، كله غير مشروع ، وكثير منه ممنوع لا يجوز اعتماده والدعاء به .
وفيما شرع الله وحض عليه رسوله صلى الله عليه وسلم الغنية والكفاية .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
قرأت في كتاب المأثورات شيئاً لم أجده في بقية كتب الأدعية ، وما قرأته يعرف بورد الرابطة ، وهو: أن يتلو الإنسان قوله تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى قوله: ( وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ثم يتلو بعد ذلك الدعاء : (اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك فاغفر لي) . ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوان في ذهنه، ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرف منهم، ثم يدعو لهم مثل هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فألف اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير. كما ذكر ورداً آخر يسمى بورد الدعاء يقول فيه: أستغفر الله مئة مرة، ثم الدعاء للدعوة والإخوان والنفس بعد ذلك بما تيسر من الدعاء بعد صلاة الفجر والمغرب والعشاء وقبل النوم، وألا يقطع الورد لأمر دنيوي إلا لضرورة. وقد قرأت كثيراً في كتب الأحاديث ورياض الصالحين ولم أجد ما يدل على صحة هذا المذكور. فأرجو أن تنبهونا على مدى صحته وعن حكم الالتزام به والمداومة عليه؟
فأجاب:
" الأمر كما ذكرت السائلة في أن هذه الأدعية أدعية لا أصل لها في سنة الرسول صلى
الله عليه وسلم ، وليست بصحيحة ، ولا يجوز لأحد أن يلتزم بها ، بل ولا أن يفعلها
تعبداً لله ؛ لأنها بدعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) .
والذي ظهر لي من حال هذه المرأة السائلة أنها تطالع كثيراً من الكتب ، ولا سيما كتب
الأذكار والأوراد . الذي أنصحها به أن تتحرز كثيرا ً؛ لأنه كُتب في الأذكار البدعية
والأدعية البدعية شيء كثير، ومن المؤسف أنها تروج كثيراً في المسلمين ، ورواجها قد
يكون أكثر من رواج الأدعية والأذكار الصحيحة. فأنصحها وأنصح جميع إخواني المسلمين
بالتثبت في هذه الأمور، حتى لا يعبدوا الله تعالى على جهل وضلال وبدع ، وفي الكتب
الصحيحة التي ألفها من يوثق بعلمهم وأمانتهم ودينهم ، في الكتب الصحيحة ما يغني عن
ذلك ، فالرجوع إليها هو الواجب ، وطرح مثل هذه الكتب التي أشارت إليها السائلة
وغيرها مما يشتمل على أذكار وأدعية بدعية ، طرحها والتحذير منها هو الواجب على
المسلمين ، حتى لا تفشو فيهم البدع وتكثر فيهم الضلالات " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 2) بترقيم الشاملة .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" هذه الأذكار المحدثة، كقراءة أسماء الله الحسنى، لبعض الصلوات، وترديد كلمة "يا
لطيف" بصوت مرتفع، وما أشبه ذلك من الأوراد التي ليس عليها دليل من الكتاب والسنة،
ولا من هدي السلف الصالح، هي بدع يجب تركها والابتعاد عنها، والتحذير منها " .
انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ صالح بن فوزان" (2/ 678) .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (98780) .
والله تعالى أعلم .
تعليق