الحمد لله.
فطام الطفل قبل الحولين جائز ، لكن بشرطين :
الشرط الأول : أن لا يكون في الفطام قبل الحولين مضرة على الطفل .
الشرط الثاني : أن يكون الفطام برضا الوالدين .
قال القرطبي رحمه الله :
" وقوله تعالى : ( لمن أراد أن يتم الرضاعة ) دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما ،
فإنه يجوز الفطام قبل الحولين ، ولكنه تحديد لقطع التنازع بين الزوجين في مدة
الرضاع ، فلا يجب على الزوج إعطاء الأجرة لأكثر من حولين . وإن أراد الأب الفطم قبل
هذه المدة ولم ترض الأم لم يكن له ذلك ، والزيادة على الحولين أو النقصان : إنما
يكون عند عدم الإضرار بالمولود ، وعند رضا الوالدين " انتهى من " تفسير القرطبي "
(3/162) .
وقال الشيخ عبد الرحمن
السعدي رحمه الله :
" ( فَإِنْ أَرَادَا ) أي : الأبوان ، ( فِصَالا ) أي : فطام الصبي قبل الحولين ، (
عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا ) بأن يكونا راضيين ، ( وَتَشَاوُرٍ ) فيما بينهما ، هل هو
مصلحة للصبي أم لا ؟ فإن كان مصلحة ورضيا ، ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) في فطامه
قبل الحولين ، فدلت الآية بمفهومها ، على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر ، أو لم يكن
مصلحة للطفل ، أنه لا يجوز فطامه " انتهى من " تفسير السعدي " (ص/104) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" الفصال بمعنى الفطام ؛ والفاعل في أرادا يعود على الوالدة ، والمولود له ؛
فلا بد من أن يقع هذا الفصال عن تراض منهما ؛ لقوله تعالى : عن تراض منهما ؛ و
التراضي تفاعل من رضي ؛ فلا بد أن يكون من الطرفين ؛ فلو رضيت الأم دون الأب
امتنع الفصال ؛ ولو رضي الأب دون الأم امتنع الفصال ؛ و التشاور تفاعل أيضاً ؛
وأصله من : شار العسل - إذا استخلصه من الشمع - ؛ والمراد به : تبادل الرأي بين
المتشاورين لاستخلاص الأنفع ، والأصوب ؛ فلا بد من أن يقع التشاور من أجل مصلحة
الطفل ؛ فينظر هل من مصلحته أن يفطم قبل الحولين ؛ أو من المصلحة أن يبقى حتى يتم
الحولين ؛ أو من المصلحة أن يبقى بعد الحولين أيضاً - فربما يكون محتاجاً إلى
الرضاعة حتى بعد الحولين " انتهى من " تفسير سورة البقرة " لابن عثيمين (3/145) .
وعليه ، فإذا لم يرض الزوج بفطام طفله قبل تمام الحولين ، فليس للزوجة أن تفطم الطفل في هذه الحال .
لكن هل للزوج أن يجبرها على الرضاع إن هي أبت ذلك ؟ اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله .
قال ابن قدامه رحمه الله :
" رضاع الولد على الأب وحده , وليس له إجبار أمه على رضاعه , دنيئة كانت أو شريفة ,
سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة ، ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت
مفارقة خلافا , فأما إن كانت مع الزوج , فكذلك عندنا , وبه يقول الثوري , والشافعي
, وأصحاب الرأي .
وقال ابن أبي ليلى , والحسن بن صالح : له إجبارها على رضاعها ، وهو قول أبي ثور ,
ورواية عن مالك ; لقول الله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن
أراد أن يتم الرضاعة ) والمشهور عن مالك , أنها إن كانت شريفة ، لم تجر عادة مثلها
بالرضاع لولدها : لم تجبر عليه , وإن كانت ممن ترضع في العادة , أجبرت عليه .
ولنا : قوله تعالى : ( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) وإذا اختلفا ، فقد تعاسرا .
ولأن الإجبار على الرضاع لا يخلو , إما أن يكون لحق الولد , أو لحق الزوج , أو لهما
.
فلا يجوز أن يكون لحق الزوج , فإنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها , ولا
على خدمته فيما يختص به .
ولا يجوز أن يكون لحق الولد , فإن ذلك لو كان له , للزمها بعد الفرقة , ولأنه مما
يلزم الوالد لولده , فلزم الأب على الخصوص , كالنفقة , أو كما بعد الفرقة .
ولا يجوز أن يكون لهما ; لأن ما لا مناسبة فيه , لا يثبت الحكم بانضمام بعضه إلى
بعض ; ولأنه لو كان لهما , لثبت الحكم به بعد الفرقة , والآية محمولة على حال
الاتفاق وعدم التعاسر " انتهى من " المغني " (8/200) .
وعليه ، فينبغي على والديّ
الطفل أن يغلبا جانب المصلحة في ذلك ، ولا شك أن إتمام الرضاع للحولين ، إذا لم يكن
فيه مضرة ولا مشقة زائدة على الأم ، أنه أكمل وأفضل للمولود ، وأنفع له ، لكن لا
مانع من اختلاف حاله في الرضاع ، إذا كان قد بدأ في الطعام ، عن حال الطفل الذي لا
يطعم ، فحينئذ : ترضعه الوالدة ، بما لا يشق عليها ، ويناسب حالها ، ثم تكمل له ما
تبقى من حاجته بالطعام الذي يناسبه .
فهنا طرفان : الأول أن الزوج ليس له أن يلزم الزوجة بأمر يضر بها . والأم ليس لها
أن تمنع ولدها منعا يضر به ، وفيما بين هاتين الدرجتين : مجال النظر والتفاهم
بينهما ، وليكن كما أدب الله عباده : ( عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ ) .
يسر الله لكم أمركم ، وأصلح لكم شأنكم .
والله أعلم .
تعليق