الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

الكلام على اصطلاحات الإمام الترمذي رحمه الله في تخريج الأحاديث .

212577

تاريخ النشر : 01-11-2014

المشاهدات : 40233

السؤال


نجد أن الإمام الترمذي رحمه الله في سننه يصنف الأحاديث تصنيفاً خاصاً به فيقول للحديث الضعيف مثلاً: هذا حديث حسن صحيح ، فرأيُ مَنْ نأخذ في مثل هذه الحالة ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله صاحب السنن المشهورة باسمه ، من أئمة هذا الشأن ، قال الإدريسي : كان الترمذي أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث ، صنف الجامع والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن ، كان يضرب به المثل في الحفظ ، وقال منصور الخالدي : قال أبو عيسى : صنفت هذا الكتاب - يعني السنن - فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به .
"تهذيب التهذيب" (9/ 388-389).
وللترمذي رحمه الله اصطلاحات مشهورة في تخريجه للأحاديث التي يرويها في سننه ، ونحن نذكر مختصر ما ذكره الحافظ ابن رجب بهذا الخصوص ، قال رحمه الله :
" اعلم أن الترمذي قسم ـ في كتابه هذا ـ الحديث إلى صحيح ، وحسن، وغريب ، وقد يجمع هذه الأوصاف الثلاثة في حديث واحد، وقد يجمع منها وصفين في الحديث، وقد يفرد أحدها في بعض الأحاديث، وقد نسب طائفة من العلماء الترمذي إلى التفرد بهذا التقسيم، ولا شك أنه هو الذي اشتهرت عنه هذه القسمة .
وأما الحديث الحسن فقد بين الترمذي مراده بالحسن : وهو ما كان حسن الإسناد.
وفسر حسن الإسناد: بأن لا يكون في إسناده متهم بالكذب ، ولا يكون شاذاً، ويروى من غير وجه نحوه ، فكل حديث كان كذلك فهو عنده حديث حسن.
فعلى ما ذكره الترمذي : كلما كان في إسناده متهم فليس بحسن ، وما عداه فهو حسن ، بشرط أن لا يكون شاذاً.
وبشرط أن يروى نحوه من غير وجه ، يعني أن يروي معنى ذلك الحديث من وجوه أخر عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الإسناد ، فعلى هذا : الحديث الذي يرويه الثقة العدل ، ومن كثر غلطه ، ومن يغلب على حديثه الوهم إذا لم يكن أحد منهم متهماً، كله حسن ؛ بشرط أن لا يكون شاذاً ، مخالفاً للأحاديث الصحيحة ، وبشرط أن يكون معناه قد روي من وجوه متعددة .
وقد اضطرب الناس في جمع الترمذي بين الحسن والصحيح ، لأن الحسن دون الصحيح ، فكيف يجتمع الحسن والصحة ، وكذلك جمعه بين الحسن والغريب .
فمنهم من قال: إن مراده أن الحديث حسن لثقة رجاله ، وارتقى من الحسن إلى درجة الصحة ، لأن رواته في نهاية مراتب الثقة ، فحديثهم (حسن صحيح) ، لجمعهم بين صفات من يحسن حديثه ، وصفات من يصحح حديثه ، وعلى هذا فكل صحيح حسن، ولا عكس .
ومذهب ابن الصلاح أن الترمذي إذا جمع بين الحسن والصحة فمراده أنه روي بإسنادين، أحدهما حسن، والآخر صحيح.
ومن المتأخرين من قال: إن الحسن الصحيح عند الترمذي دون الصحيح المفرد، فإذا قال: "صحيح" فقد جزم بصحته، وإذا قال: حسن صحيح، فمراده أنه جمع طرفاً من الصحة وطرفاً من الحسن ، وليس بصحيح محض ، بل حسن مشرب بصحة .
ومن المتأخرين ـ أيضاً ـ من قال: مراد الترمذي في الحسن أن كلاً من الأوصاف الثلاثة التي ذكرها في الحسن ، وهي سلامة الإسناد من المتهم ، وسلامته من الشذوذ، وتعدد طرقه ، ولو كانت واهية ، موجب لحسن الحديث عنده.
وهذا بعيد جداً، وكلام الترمذي إنما يدل على أنه لا يكون حسناً حتى يجتمع فيه الأوصاف الثلاثة ، وتسمية الحديث الواهي التي تعددت طرقه حسناً لا أعلمه وقع في كلام الترمذي في شيء من أحاديث كتابه .
واعلم أن الترمذي ـ رحمه الله ـ خرج في كتابه الحديث الصحيح ، والحديث الحسن، وهو ما نزل عن درجة الصحيح ، وكان فيه بعض ضعف ، والحديث الغريب ،
والغرائب التي خرجها فيها بعض المناكير ، ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه " انتهى باختصار من "شرح علل الترمذي" (2/ 574-611) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَمَّا الْحَسَنُ فِي اصْطِلَاحِ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ: مَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ وَلَا هُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، فَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ الَّتِي شَرَطَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَسَنِ ، لَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : قَدْ سُمِّيَ حَسَنًا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِثْلَ حَدِيثٍ يَقُولُ فِيهِ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَقَدْ سَمَّاهُ حَسَنًا ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيبًا، لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْ تَابِعِيٍّ وَاحِدٍ لَكِنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَصَارَ حَسَنًا لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَهُوَ فِي أَصْلِهِ غَرِيبٌ ، وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ الْحَسَنُ الْغَرِيبُ قَدْ يَكُونُ لِأَنَّهُ رُوِيَ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ غَرِيبٍ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الرَّاوِي الْأَصْلِيِّ بِطْرِيقٍ صَحِيحٍ وَطَرِيقٍ آخَرَ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ حَسَنًا مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ مَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَلَيْسَ فِيهَا مُتَّهَمٌ ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ الطَّرِيقَيْنِ فَهَذَا صَحِيحٌ مَحْضٌ ، وَإِنْ كَانَ أَحَد الطَّرِيقَيْنِ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ فَهَذَا حَسَنٌ، وَقَدْ يَكُونُ غَرِيبَ الْإِسْنَادِ فَلَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَهُوَ حَسَنُ الْمَتْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ: وَفِي الْبَابِ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، فَيَكُونُ لِمَعْنَاهُ شَوَاهِدُ تُبَيِّنُ أَنَّ مَتْنَهُ حَسَنٌ ، وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ غَرِيبًا ، وَإِذَا قَالَ مَعَ ذَلِكَ: إنَّهُ صَحِيحٌ ؛ فَيَكُونُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ ، وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ حَسَنٍ ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ الصِّحَّةُ وَالْحُسْنُ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ صَحِيحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ ، فَقَدْ يَكُونُ صَحِيحًا غَرِيبًا ، وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي اجْتِمَاعِ الْحَسَنِ وَالْغَرِيبِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيبًا حَسَنًا ، ثُمَّ صَارَ حَسَنًا ، وَقَدْ يَكُونُ حَسَنًا غَرِيبًا كَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/ 39-40) .
وينظر : "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (2/ 185) ، " قواعد التحديث" للقاسمي (ص 103) .
وللفائدة : ينظر إجابة السؤال رقم : (126978) .

ثانيا :
اختلاف الأئمة رحمهم الله في نقد الحديث ، والحكم عليه ، وبيان درجته : هو كاختلافهم في الفقه وفروع العلم ، كل يتكلم بحسب ما أداه إليه اجتهاده ، وكل مأجور بفضل الله ، وإن كان الحق واحدا .
قال الإمام الترمذي رحمه الله :
" وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال ، كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم " انتهى من " سنن الترمذي " ( 5 / 756 ) .

وقد سبق في إجابة السؤال رقم : (70455) بيان موقف المسلم من الاختلاف الحاصل بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف للحديث الواحد ، وأنه يختلف باختلاف حاله : فإن كان مؤهلاً للترجيح بين أقوالهم رجَّح ما يراه صواباً ، وإن كان غير مؤهل لذلك : فعليه تقليد الأوثق في نفسه ، والأعلم بهذا الباب عنده ، ولا يجوز له تقليد من يوافق قوله هواه ورغبته بالتشهي ، وسواء كان ذلك الأوثق في نفسه من الأئمة المتقدمين ، أو نقاد الحديث ، والمشتغلين به من أهل العلم المتأخرين .
والمعروف عن الإمام الترمذي رحمه الله أنه أحيانا يتساهل في التصحيح والتحسين ، حتى قال الذهبي رحمه الله : " لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي " .
انتهى من "ميزان الاعتدال" (3/ 407) .
وانظر : " السلسلة الضعيفة " للشيخ الألباني رحمه الله (1/85) .

ولكن غالب ما يصححه رحمه الله هو صحيح ، وإنما يتساهل في التصحيح أحيانا .
فإذا صحح حديثا ، ولم يخالفه غيره أخذنا بتصحيحه ، وإذا خالفه من هو أعلم منه بالحديث كالإمام أحمد أو البخاري أو مسلم ونحوهم : تركنا قوله لقول الأعلم منه.
ولكن ليس لذلك سنة مطردة ، فربما كان الحق في مواضع معه ، دون من خالفه .
ومدار المتخصص على النظر في الحجة والدليل .
وأما غير المتخصص : فشأنه أن يقلد أهل العلم ، فيتخير الأوثق في دينه ، كما سبق ، ويجتهد في التحري لدينه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب