الحمد لله.
إذا كانت الأم " أخت عبد الرحمن " قد تنازلت عن المطالبة بأي نصيب لها في الميراث ورضيت بما كتبها لها والدها في حياته ، مقابل أن يؤول ما بقي لأخيها عبد الرحمن ، وهي بالغة عاقلة رشيدة ، لم يستكرهها أحد على شيء : فليس لأبنائها المطالبة بغير ما رضيت به الأم ، لا في حياتها ولا بعد ذلك ، وسواء كان ما أخذته مساويا لنصيبها الشرعي من الميراث أو أقل أو أكثر ؛ لأن البالغ الرشيد إذا تنازل عن حقه ، فليس لغيره المطالبة به ، كما أنه ليس لها هي أن تطالب بعد ذلك بما أسقطته عن طيب نفس ؛ لأن القاعدة الفقهية أن " الساقط لا يعود " ؛ فمن تنازل عن حق له على غيره ، وأبرأه منه ، وأسقطه عنه : فإنه لا حق له في المطالبة به بعد ذلك .
وأما إذا كان أخوها عبد الرحمن يعلم أن ما أخذته أخته هو أقل من نصيبها شرعا في التركة - والذي يجب تقديره بيوم وفاة والدهم - وأنها ما وافقت على ذلك إلا حياء ، أو خشية الدخول معه في إشكالات تؤول إلى التقاطع ، أو خوف ملامة من المجتمع الذي قد يظلم المرأة في ميراثها ، أو لأنها تعلم أنها لن تمكن إلا من ذلك : فالواجب عليه أن يعطيها تمام نصيبها , لأن التنازل في هذه الأحوال غير معتبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ) رواه أحمد (20172) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459) .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" الإلحاح على البنات حتى يتركن إرثهن لإخوانهن : هذا لا يجوز، لا سيما وأنك ذكرت أنهن يتركنه حياءً ومجاملة ، فيكون هذا قريب من الإكراه فلا يجوز مثل هذا العمل ، بل الله سبحانه وتعالى أعطى البنات حقهن ، كما قال سبحانه : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ )[النساء: 11] ، فالله جل وعلا جعل للبنات نصيبًا من الميراث ، وجعل للأولاد نصيبًا من الميراث ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، والبنت قد تكون أحوج إلى الميراث من الولد ، لضعفها وعجزها عن الاكتساب ، خلاف الولد ، فإنه يقوى على الاكتساب ، وعلى السفر وطلب الرزق ".
انتهى من " مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان" (2/ 625) .
وللفائدة في مسألة حكم توزيع الأب التركة على ورثته في حياته ينظر : (164375) .
والله أعلم .
تعليق