الحمد لله.
أولا :
أثبت الشرع لكل واحد من المتبايعين الحق في فسخ العقد بدون رضا الطرف الآخر ما داما في المجلس الذي تم فيه العقد ، فإن تفرقا فقد وجب البيع ولا يمكن فسخه إلا بالتراضي أو بسبب يبيح الفسخ ، كما لو كانت السلعة معيبة .
روى البخاري (2112)، ومسلم (1521) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا ، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ ) .
وإذا كان أحد المتعاقدين غائبا عن المجلس ، كما لو أرسل البائع رسالة إلى المشتري قائلا : بعتك سيارتي بكذا ، ووصلت الرسالة إلى المشتري وقبل ، صح البيع ، ويكون للمشتري الخيار في فسخ العقد ما دام في المجلس الذي وصلت إليه فيه الرسالة وقبل البيع فيه .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (30/ 217-218) :
" كَمَا يَصِحُّ انْعِقَادُ الْعَقْدَ بَيْنَ الْحَاضِرَيْنِ بِالإْيجَابِ وَالْقَبُول بِالْعِبَارَةِ كَذَلِكَ يَصِحُّ بَيْنَ الْغَائِبَيْنِ بِالْكِتَابَةِ أَوْ إِرْسَال رَسُولٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، فَإِذَا كَتَبَ شَخْصٌ لآِخَرَ مَثَلاً: بِعْتُك دَارِيَ بِكَذَا، فَوَصَل الْكِتَابُ لَهُ فَقَبِل انْعَقَدَ الْعَقْدُ .
وَالظَّاهِرُ مِنْ نُصُوصِ الْفُقَهَاءِ : أَنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ حَالَةَ غِيَابِ الْعَاقِدَيْنِ هُوَ مَجْلِسُ قَبُول مَنْ وُجِّهَ لَهُ الْكِتَابُ ، أَوْ أُرْسِل إِلَيْهِ الرَّسُول" انتهى.
وعلى هذا ؛ فالشراء عن طريق الإنترنت يثبت فيه الخيار للمشتري ما دام في المجلس الذي قبل فيه البيع .
وقد اختار بعض العلماء أن البيع إذا تم بمثل هذه الطريقة ولم يكن البائع والمشتري مجتمعين في مجلس واحد فإنه لا خيار مجلس حينئذ .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منها بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً) ، (ما) مصدرية ظرفية يعني مدة عدم تفرقهما، وقوله: (وكانا جميعاً) تأكيد لعدم التفرق، وفيه فائدة وهي : إذا تبايع رجلان بالهاتف فإنه في هذه الحال لا خيار، بمجرد ما يقول أحد: بعت والثاني يقول: اشتريت وجب البيع " .
انتهى من " الشرح الممتع " (8/262) .
وإذا كان الشراء عن طريق الإنترنت لا يمكن الرجوع فيه بعد القبول ، أو اشترط البائع ذلك ، فيسقط خيار المجلس حينئذ ويلزم البيع بمجرد قبول المشتري وليس له فسخ العقد إلا بسبب ، لأن خيار الشرط يسقط إذا اشترط أحد المتبايعين أنه ليس هناك خيار مجلس ووافق الطرف الآخر . انظر " المغني " (6/15-16) .
والله أعلم .
تعليق