الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

أحاديث آل البيت الكرام ليست الأقل عددا من أحاديث بقية الصحابة

217881

تاريخ النشر : 01-10-2014

المشاهدات : 86489

السؤال

سؤالي حول رواة الحديث ، فمعظم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم جاءت عن طريق عائشة وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين . ولكننا قلما نجد أحاديث مروية من طريق أهل البيت ، كعلي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين رضي الله عنهم أجمعين . بالرغم من أنهم أكثر الناس قرباً من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثر الناس وصولاً إليه ، فلماذا ذلك ؟

الجواب

الحمد لله.

مسألة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ليست قضية أرقام وسنوات ، بل لا بد عند النظر فيها من مراعاة عوامل عدة تؤثر في هذا الأمر ، وتتحكم في القضية ، ومن ذلك : كثرة الملازمة ، وطول العمر ، والتفرغ للتحديث والرواية ، وسن الراوي عند مصاحبته النبي صلى الله عليه وسلم ، وكثرة الاختلاط بالناس ، والتأثير فيهم مع حاجة الناس إليه ، وأيضا عناية الراوي نفسه بهذا الشأن ، وبذل الوقت والجهد لأجله ، وعدم تعارضه في نفسه مع أولويات أو مقامات أخرى ، وغير ذلك من العوامل الكثيرة المؤثرة في عدد مرويات الراوي المنقولة إلينا ، وليس فقط عامل القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم .
وبهذا يمكننا تفسير ما ورد في السؤال ضمن البيانات الآتية :
أولا : ليس صحيحا أن أحاديث آل البيت الكرام عددها قليل ، بل كثير من آل البيت الكرام يعدون من المكثرين من الرواية ، فمثلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه له قرابة (423) رواية ، في حين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليس له سوى (59) رواية ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه له (240) رواية ، وعثمان بن عفان ليست له سوى (92) حديثا ، وهذا يعني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحده : له من الأحاديث في كتب السنة ما يفوق الخلفاء الثلاثة الأوائل مجتمعين ، فلا يصح أن يقال بعد ذلك إن آل البيت الكرام تقل مروياتهم في كتب السنة .

ثانيا : عائشة وأبو هريرة رضي الله عنهما توفيا سنة (57هـ) ، وعبد الله بن عمرو بن العاص توفي سنة (63هـ) وعبد الله بن عمر توفي سنة (73هـ) ، فمن الطبيعي أن يتمكن جميع هؤلاء من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في أيامهم وأعمارهم التي طالت نسبيا ، فكثرت مروياتهم .
في حين أن فاطمة رضي الله عنها توفيت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر فقط ، وقيل بثلاثة أشهر . ينظر " تاريخ الإسلام " (2/29) ، فلم تدرك أن تروي وتحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام ما أدركه آخرون من الصحابة ، وكلهم أصحاب سبق وفضل عند الله .
وهذا من أهم أسباب تفاوت أعداد المرويات – في نظرنا – ، وهو سبب – كما ترى – لا يرتبط بأبعاد سياسية ولا عقائدية ، خلافا لمن لا يقرأ التاريخ إلا من منظوره المتعصب .

ثالثا : لا ينبغي للسائل أن ينسى أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، هو من المكثرين جدا من الروايات ، وله في كتب السنة والآثار نحو من (1184) حديثا ، في مقابل (1153) لعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما . وفي مقابل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، الذي لم تزد مروياته على (72) حديثا .
كما لا ينبغي أن ينسى أمثال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، وقد كان المطلوب الأول من حكام الدولة الأموية – ظلما وعدوانا – ، وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك له في كتب السنة نحو من (43) حديثا ، في مقابل طلحة بن عبيد الله الذي لم تزد أحاديثه على (21) حديثا ، رغم اختلافه مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وانحيازه إلى طرف خصومه .
فليس للحكم السياسي تأثير في أعداد مرويات الصحابة الكرام ، كما أنه ليس لقضية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه ، من عدم ذلك : تأثير في أعداد المرويات .

رابعا : من المعلوم أيضا أن كلا من الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولدا سنة (4هـ) ، وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عنهما صغارا ، لم يبلغا الحلم ، الأمر الذي سيؤثر ولا شك على مروياتهما ، حيث لم يشهدا المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يشتغلا بالتحديث في حياتهما ، نتيجة انشغالهما بتوحيد الأمة ، وجمع الكلمة ، ودرء الظلم والعدوان ، والنوازل والفتن التي شهدها عمرهما القصير ، فتوفي الحسن سنة (49هـ) ، واستشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما سنة (61هـ) ، فلم تزد مروياتهما مجتمعين رضي الله عنهما عن (20) حديثا فقط .
ومن هذا الباب : ما كان من شغل خالد بن الوليد رضي الله عنه بالجهاد في سبيل الله ، وحماية ثغور المسلمين ، فلم تزد مروياته في كتب السنة على عشرة أحاديث فقط .

وليس ذلك بالأمر الغريب ، فزوجات النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس صحبة له ومعرفة بأموره وسيرته عليه الصلاة والسلام ، وتزوجهن كبارا ، وتأخرت وفاتهن ، وليس لهن في كتب السنة سوى القليل من الأحاديث ، فجويرية (5) خمس روايات ، وحفصة (24) ، ورملة (أم حبيبة) (21) ، وزينب بنت جحش (6) ، وسودة بنت زمعة (3) ، وصفية بنت حيي (7) ، وميمونة بنت الحارث (36) ، وأم سلمة (هند بنت أبي أمية) (174) ، أي أن مجموع مرويات أمهات المؤمنين مجتمعة – عدا عائشة رضي الله عنها – تبلغ (276) ، على نحو النصف من روايات واحد من آل البيت الكرام ، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .

ولا يمكن لأحد أن يدعي في تفسير هذه الظاهرة تأثير الأسباب السياسية أو القبلية ، ومن ظن ذلك فقد خالف مقتضى العقل السليم ، بل إن الأمر يعود - كما قلنا – إلى التخصص الذي ييسره الله عز وجل في كل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فمنهم من شأنه الجهاد ، ومنهم شأنه ولاية أمور المؤمنين ، وآخر حياته في العبادة والنسك ، ورابع وقته في العمل ، وآخر يتولى الولاية التي تشغله عن التفرغ للتحديث ، وهكذا في أسباب كثيرة يمكن التأمل بها في سير الصحابة الكرام ، وقد نص على أحدها الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه حيث يقول : ( مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ ) رواه البخاري (113) ، فأثبت هنا ( الكتابة ) سببا مهما من أسباب وجود الفوارق بين الصحابة الكرام في عدد المرويات .

ولقد أشار أبو هريرة رضي الله عنه بنفسه إلى دفع شيء من هذه الشبهات ، وبيان أحد الأسباب المهمة في تفاوت الناس في الرواية : شغل راو ، وفراغ آخر :
روى البخاري في " باب حفظ العلم " من "صحيحه" (118) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ ؛ وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا ، ثُمَّ يَتْلُو : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ) إِلَى قَوْلِهِ : ( الرَّحِيمُ ) [البقرة/159-160] ؛ إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ ، وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ !!

خامسا : ثم إن المكانة والفضل والمنزلة لا تتحدد لدى أهل السنة بكثرة الرواية ، وإلا لكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أدنى منزلة من غيره ، نظرا لقلة بل ندرة رواياته ، بل العبرة بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفضائل ، وما ورد في سيرة الصحابي من المكارم .
ولا يخفى أن لعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا : من الفضل وسَنّي المقام لدى أهل السنة ، ما لا يجهله عاقل ، ولا يجحده إلا جاهل ، أو معاند ؛ كيف لا وهم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحبابه ، وخاصته الذين وصانا بهم ، وحدثنا عن فضائلهم ، وقد روت كتب السنة مئات المرويات في فضائلهم ، فلو كانت السياسة سببا في إخفاء روايات آل البيت الكرام ، فلأن تكون سببا في إخفاء الأحاديث الواردة في فضلهم أولى وأجدر ، ومع ذلك ثبتت في كتب السنة ، وفي كتب عقائد أهل السنة مئات الأحاديث في فضائلهم رضي الله عنهم ، ومن غير مروياتهم هم أنفسهم ، فلم يكونوا محتاجين إلى تتبع ذلك ، أو تكلف ضبطه ونشره ، إذ كان فاشيا في الناس ، معلوما مقررا ، لا يخفى على أحد ، ولا يتعثر على طالب ؛ أفليس ذلك دليلا كافيا على بطلان أي وهم متعصب في فهم هذه القضية !!
نرجو أن نكون قد وقفنا بالسائل الكريم على شيء من حقائق هذا الباب ، وإلا فالأمر يحتمل الكثير من التفصيل ، والكثير أيضا من ذكر الإحصاءات ، وإعادة النظر فيها .

ملاحظة : جميع الأرقام الواردة في هذا الجواب أخذناها عن كتاب " المسند الجامع " ، وفيه أحاديث الكتب الستة ، ومؤلفات أصحابها الأخرى ، وموطأ مالك ، ومسانيد الحميدي ، وأحمد بن حنبل ، وعبد بن حميد ، وسنن الدارمي ، وصحيح ابن خزيمة . وهو من تحقيق وترتيب كل من الدكتور بشار عواد معروف ، السيد أبو المعاطي محمد النوري ، أحمد عبد الرزاق عيد ، أيمن إبراهيم الزميلي ، محمود محمد خليل . يقع في (22) مجلدا ، طبعته دار الجيل ، وقد اخترنا أخذ الأعداد من هذا الكتاب نظرا لاكتمال تأليفه ، وترتيبه على مسانيد الصحابة ، وجمعه قدرا كبيرا من كتب الرواية ، وحسن ترتيبه وترقيمه ، غير أننا ننبه إلى أن الأرقام تشمل الأحاديث الصحيحة والضعيفة ، وتشمل المكرر إذا روي عن أكثر من تابعي عن الصحابي الجليل ، فيتعدد الترقيم بتعدد هؤلاء التابعين . كما شرح ذلك في المقدمة (1/12) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب