الحمد لله.
نهنئك ابتداء على إسلامك , ونهنئك ثانيا على هذه الطريقة المنهجية في التفكير ، التي تحاول من خلالها التأمل في الأفكار والأقوال والأعمال التي تعرض لك في حياتك ، وهي التي قادتك إلى اعتناق الإسلام بعد هداية الله سبحانه وتوفيقه .
ومِثلُك يُنصَح بالحرص على العلم ، والبحث والقراءة ، وقضاء الوقت في تحصيل ما يمكن من العلوم الشرعية والإنسانية عامة ، لعله يكون لك شأن في المستقبل في نفع البلاد والعباد ممن حولك ، وفي بلاد الاغتراب التي تعيشون فيها.
ولكي نكون دقيقين أيضا معك في الجواب على سؤالك ، فالأمر الذي سألت عنه مجل اجتهاد وبحث ونظر ، وليس من مقاطع اليقين ولا من موارد الاتفاق والإجماع ، ذلك أنه تتعارضه قواعد الإطلاق في الدعاء ، وقواعد التخصيص في العبادة ، ولذلك نقدر تفاوت الاجتهاد ووجهات النظر في هذا الموضوع .
إلا أن ما نميل إليه في ذلك التفرقة بين حالين :
الحال الأولى :
من يظن أن الدعاء بالهداية لا بد فيه من تقديم الطعام ، وتعليق كل لقمة أو أكلة بدعوة من الدعوات ، أو أن هذه الحالة أرجى في القبول والاستجابة عند الله سبحانه ، أو أن هناك ارتباطا ما بين هداية شخص ، وبين هذا الدعاء المخصوص ، في حالة معنية .
فحينئذ : نرى أن هذا الاعتقاد غير صحيح ولا مشروع ، وأنه يؤدي في نهاية المطاف إلى التعلق بأعمال ظاهرية – كما ذكرت في سؤالك – وربط تحقق الدعاء بها ، وهذا هو الأصل الذي قام عليه باب " البدعة الإضافية " .
وفي ذلك مفسدة عظيمة ، ليس آخرها إيقاع الناس في الوهم والتلبيس ، حيث يتعلقون بالأكل من الطعام أو نحو ذلك من العادات أكثر من صدق اللجوء إلى الله ، وطرح المسألة بين يديه .
وأما قصة الشخص البريطاني مع الخبز ، فهذه إذا أحسنا الظن في صاحبها ، وراويها ، ولم تكن مختلقة ، يتناقلها الناس ، دون أن يعرفوا لها أصلا ؛ فإنما مثل من يحتج بها ، كمثل رجل رأى آخر يدعو وهو يلبس طاقية ، وأجيب دعاؤه ، فظن أن كل من لبس " الطاقية " : أجاب الله دعاءه !!
الحال الثانية :
من يخلو من الاعتقادات السابقة ، ولا يعدو الأمر عنده الدعاء بالهداية لجميع الناس ، أو لجماعة مخصوصين يقصدهم بدعائه ، وخص ذكر الطعام ؛ لأن المجتمعين عليه : هم الذين أرادهم بدعائه .. أو نحو ذلك ؛ فهذا نرجو ألا يكون به بأس ، على ألا يعتقد للحال خصوصية معينة كما ذكرنا ، أو يجعل ذلك وردا وعادة له ، أو يربطها بحدث معين ، أو شخص ما فعل كذا ، فكان كذا ، فهذا كله من أصول الابتداع ، وأودية الباطل .
وبعد ، فلتجتهد في تحصيل العلم الشرعي ، والفرقان الإلهي بين الحق والباطل ، والسنة والبدعة ؛ ثم عاشر كل قوم على ما معهم من الخير والنفع ، واجتنب إساءة من أساء ، وبدعة من ابتدع ، واجتهد في النصح والدعوة إلى الله ، والصبر على ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وَالْبَصِيرُ الصَّادِقُ : يَضْرِبُ فِي كُلِّ غَنِيمَةٍ بِسَهْمٍ ، وَيُعَاشِرُ كُلَّ طَائِفَةٍ عَلَى أَحْسَنِ مَا مَعَهَا ، وَلَا يَتَحَيَّزُ إِلَى طَائِفَةٍ ، وَيَنْأَى عَنِ الْأُخْرَى بِالْكُلِّيَّةِ : أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهَا شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ ، فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الصَّادِقِينَ ، وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ كَامِنَةٌ فِي النُّفُوسِ " انتهى من "مدارج السالكين" (2/350) .
وينظر جواب السؤال رقم : (101732) .
والله أعلم .
تعليق