الحمد لله.
أولاً :
لا يشترط لصحة الصدقة عن الميت ، أن تكون من أقارب الميت ، أو من أبنائه ، بل تصح الصدقة من البعيد ، كما تصح من القريب .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا , وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ , نَفَعَهُ ذَلِكَ , إنْ شَاءَ اللَّهُ " انتهى من " المغني " (2/226) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " يجوز للإنسان أن يتعبد لله عز وجل بطاعة بنية أنها لميت من أموات المسلمين ، سواء كان هذا الميت من أقاربه أم ممن ليس من أقاربه " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن عثيمين .
وعليه ، فيصح أن يتصدق الشخص عن صاحبه الميت ، أو يبني مسجداً بنية الثواب عنه ، فهذا كله مما يلحق الميت أجره إن شاء الله .
وينظر للفائدة في مسألة وصول ثواب الصدقة للميت إلى جواب السؤال رقم : (208639) ، وجواب السؤال رقم : (157658) .
ثانياً :
الدعاء للميت والصدقة عنه ، كلاهما دلت النصوص على جوازهما ، ولا تعارض في الجمع بينهما ، فقد يُتصدق عن الشخص الميت ويدعى له في نفس الوقت ، لكن من جهة الأفضلية ، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الدعاء للميت أفضل من الصدقة ، أو هو أفضل ما يهدى للميت مطلقا .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الأفضل أن يدعو له ، بدلاً من أن يتصدق عنه أو أن يضحي عنه أو أن يحج عنه ؛ لأن الدعاء له هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه ثبت عنه أنه قال : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلى من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) ، فذكر الولد الصالح الذي يدعو له ، ولم يقل أو ولد صالح يتصدق له أو يحج له أو ما أشبه ذلك من الأعمال الصالحة ، مع أن الحديث في سياق العمل ، فلما عدل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذكر العمل للميت إلى الدعاء ، عُلِم أن الدعاء هو المختار ، وهو الأفضل ، ولهذا فإني أنصح إخواني المسلمين أن يحرصوا على الدعاء لأمواتهم بدلاً عن إهداء القرب لهم ، وأن يجعلوا القرب لأنفسهم ؛ لأن الحي محتاج إلى العمل الصالح ، فإنه ما من ميت يموت إلا ندم ، إن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد ، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب ، قال الله تعالى ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ) ، وقال الله عز وجل ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المنافقون/10-11
فأنت أيها الحي محتاج إلى العمل الصالح ، فاجعل العمل لنفسك ، وادع لأمواتك من الآباء والأمهات ، والإخوان والأخوات ، وغيرهم من المسلمين .
هذا هو الذي تدل عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
ولكن مع هذا ، لو أن الإنسان تصدق عن ميت ، أو صام عنه أو صلى ، وقصد بأن يكون الثواب للميت : فلا بأس بذلك إذا تبرع به " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن عثيمين .
والله أعلم
تعليق