الحمد لله.
أولا :
إذا العبد قام إلى الصلاة قام بين يدي الله عز وجل . ومعنى (بين يديه) أنه يكون أمام ربه ، والله جل جلاله تلقاء وجهه ؛ وليس المراد باليد هنا اليد التي هي صفة الله تعالى .
قال الإمام أبو منصور الأزهري ، رحمه الله :
" وَيُقَال : بيْن يَديْك كَذَا ، لكلّ شَيْء أمامك. قَالَ الله : (مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) الْأَعْرَاف/ 17 " انتهى من " تهذيب اللغة " (14/169) .
وقال الراغب الأصفهاني رحمه
الله :
" ويقال: هذا الشيء بين يديك ، أي : متقدما لك ، ويقال : هو بين يديك أي :
قريب منك ، وعلى هذا قوله : ( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ )
الأعراف/ 17 ، (ولَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا) مريم/ 64 " انتهى من "
المفردات " (156) .
ثانيا :
قال ابن القيم رحمه الله :
" للْعَبد بَين يَدي الله موقفان : موقف بَين يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة ، وموقف بَين
يَدَيْهِ يَوْم لِقَائِه ، فَمن قَامَ بِحَق الْموقف الأول هوّن عَلَيْهِ الْموقف
الآخر ، وَمن استهان بِهَذَا الْموقف وَلم يوفّه حقّه شدّد عَلَيْهِ ذَلِك الْموقف
" انتهى من " الفوائد " (ص 200) .
وروى البخاري (406) ومسلم (547) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ
، فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : ( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ
يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا
صَلَّى ) " .
فهو سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه ، وهو قِبل وجه المصلي حقيقة ، على وجه يليق
بجلاله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الْعَبْدُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ وَهُوَ
فَوْقَهُ ، فَيَدْعُوهُ مِنْ تِلْقَائِهِ ، لا مِنْ يَمِينِهِ وَلا مِنْ شِمَالِهِ
، وَيَدْعُوهُ مِنْ الْعُلُوِّ لا مِنْ السُّفْلِ " انتهى من " الرسالة العرشية "
(ص: 32) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يمكن الجمع بين ما ثبت من علو الله بذاته ، وكونه قِبَل المصلي من وجوه :
الأول : أن النصوص جمعت بينهما ، والنصوص لا تأتي بالمحال .
الثاني : أنه لا منافاة بين معنى العلو والمقابلة ، فقد يكون الشيء عاليا وهو مقابل
، لأن المقابلة لا تستلزم المحاذاة ، ألا ترى أن الرجل ينظر إلى الشمس حال بزوغها
فيقول : إنها قبل وجهي . مع أنها في السماء، ولا يعد ذلك تناقضا في اللفظ ولا في
المعنى، فإذا جاز هذا في حق المخلوق ففي حق الخالق أولى.
الثالث: أنه لو فرض أن بين معنى العلو والمقابلة تناقضا وتعارضا في حق المخلوق ،
فإن ذلك لا يلزم في حق الخالق، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فلا
يقتضي كونه قبل وجه المصلي ، أن يكون في المكان أو الحائط الذي يصلي إليه، لوجوب
علوه بذاته، ولأنه لا يحيط به شيء من المخلوقات، بل هو بكل شيء محيط " انتهى "مجموع
فتاوى ورسائل العثيمين" (4/ 51) . وانظر جواب السؤال رقم : (40865)
.
ثالثا :
كان السلف الصالح يطيلون
الصلاة ، ويكثرون منها لأنها كانت قرة أعينهم ، وكان أحدهم لا يكاد يخرج من صلاته
إلا وهو يشتاق إليها .
قال ابن القيم رحمه الله :
" الصلاة قرة عيون المحبين ، وسرور أرواحهم، ولذة قلوبهم، وبهجة نفوسهم، يحملون
هَمّ الفراغ منها إذا دخلوا فيها كما يحمل الفارغ البطال همها حتى يقضيها بسرعة ...
وبالجملة: فمن كان قرة عينه في الصلاة ، فلا شيء أحب إليه ، ولا أنعم عنده منها،
ويودّ أَن لو قطع عمره بها ، غير مشتغل بغيرها ، وإنما يسلي نفسه إذا فارقها ، بأنه
سيعود إليها عن قرب، فهو دائماً يثوب إليها ، ولا يقضى منها وطراً .
فلا يزنُ العبد إيمانه ومحبته لله بمثل ميزان الصلاة، فإنها الميزان العادل" انتهى
من " طريق الهجرتين " (ص 307) .
ويستطيع من لا يحفظ كثيرا من
القرآن أن يطيل صلاته ، وذلك بعدة طرق ، منها :
1- أن يقرأ عدة سور من قصار السور التي يحفظها في الركعة الواحدة .
2- أن يكرر ما يقرأه ، فيقرأ سورة قصيرة ، أو عدة آيات ، ويكررها كثرا ، فلا حرج
على المصلي أن يكرر ما يقرأه ، أو أن يقرأ أكثر من سورة في الركعة الواحدة ، وكل
ذلك قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله .
3- أن يقرأ من المصحف إذا كان ذلك في صلاة النافلة .
وينبغي أن يُعلم : أن الأفضل
في الصلاة أن تكون متناسبة ، فإذا أطال القيام أطال سائر الأركان ، كما كان النبي
صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .
وليهتم المصلي بالخشوع في الصلاة ، واستحضار القلب فيها ، واستحضار عظمة الله عز
وجل ومراقبته ، فأفضل الصلاة صلاة الخاشعين المخبتين ، ولو كانت صلاة خفيفة .
والله تعالى أعلم .
تعليق