الحمد لله.
لم يتبين لنا مراد ذلك القائل بأن التبغ مكروه ، لكن مضغه مباح . وذلك لأن الأحكام الشرعية كالتحريم والكراهة والإباحة ... لا تتعلق بالأعيان ، وإنما تتعلق بأفعال العباد .
فلا يصح القول بأن التبغ مكروه ، إنما يوصف بذلك فعل الإنسان ، كتدخين التبع أو تناوله .
قال الغزالي رحمه الله :
" الأحكام لا تتعلق بالأعيان ، بل لا يعقل تعلقها إلا بأفعال المكلفين " .
انتهى من " المستصفى " (1/263) .
وقال الزركشي رحمه الله :
" عُلم من تعريف الحكم بالتعلق بفعل المكلف ، أن الأحكام لا تتعلق بالأعيان ، وسيأتي أن نحو ( حرمت عليكم أمهاتكم ) أنه من باب الحذف ، بقرينة دلالة العقل أن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال دون الأعيان " انتهى من " البحر المحيط " (1/158) فيكون معنى الآية : حرم عليكم نكاح أمهاتكم ، حتى يكون التحريم لفعل الإنسان وهو النكاح ، وليس متعلقا بعين الأم .
ويحتمل أن قصد ذلك القائل : إن التبغ مكروه ، يعني : أن شربه (تدخينه) مكروه ، ولكن مضغه حلال ، فإن كان يقصد ذلك أيضا ، فهو غير صحيح ، لأنه تفريق بين متماثلين .
والشريعة الإسلامية من حكمتها : أنها لا تفرق بين المتماثلات ، كما أنها لا تسوي بين المختلفات . "منهاج السنة النبوية " لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/89) .
فما الفرق بين شرب التبغ (تدخينه) وبين مضغه ، وكلاهما في حصول الضرر به واحد ؟؟
ثم إن تناول التبغ بأي طريقة من الطرق كشربه أو مضغه ، ليس مكروها فقط ، بل هو حرام ، والدليل عل تحريمه القاعدة الشرعية العامة التي دلت عليها الأدلة الكثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية ، أن إلحاق الإنسان الضرر بنفسه محرم ، فالشريعة الإسلامية جاءت لصيانة الإنسان في صحته وبدنه وماله ، فنهت عن كل ضرر يمكن أن يصيب الناس به بعضهم بعضا ، أو يصيبوا به ذواتهم وأنفسهم ، كما قال الله عز وجل : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) النساء/29-30.
وقد سبق في موقعنا مجموعة كبيرة من الفتاوى التي فصلنا فيها الأدلة الكثيرة على تحريم مضغ التبغ وتدخينه ، يمكنك مراجعتها في الأرقام الآتية : (9083) ، (10922) ، (118268)، (129692) ، (136803) .
والله أعلم .
تعليق