السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

توسط لشخص عند مقاول لأجل العمل فأعطاه مالا مقابل ذلك

220023

تاريخ النشر : 25-06-2014

المشاهدات : 20167

السؤال


أنا مهندس مدنى أعمل فى إحدى الدوائر الحكومية بدبى ، أقوم بعمل مراجعة الرسومات الهندسية ، وكذلك التفتيش فى المواقع ، ويمر علينا الكثير من المراجعين ؛ ملاك ، أو مقاولين ، أو استشارين بحكم عملنا ، وأنا شخصيا أعرف أحد المقاولين يقطن بجوارى ، وهو من الذين يعملون فى توريد الرمل والحفر ، وليس لديه أى علاقة بمؤسستنا الحكومية ، وقد سألنى يوما أن أبحث له عن عمل ، وقد قمت بدورى بعرضه على بعض المقاولين من الذين يمرون علينا وقد تم الاتفاق فيما بينهم ، وقد أعطانى عمولة نظير ذلك . فهل علىًّ حرمة فى ذلك ؟ مع العلم : 1/ أنه ليس من صميم عملى أن أقوم بترشيح المقاولين . 2/ ليس لدى مؤسستنا أى علاقة بالمشروع من ناحية مالية حالنا كحال أى جهة حكومية يأتى إلينا للحصول على التراخيص فقط .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
ما فعلته مع ذلك المقاول يُسمَّى " الشفاعة " ، وهي التوسط للغير لجلب منفعة له أو دفع مضرة عنه .
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " ( 26 / 131 ) :
" والشّفاعة إن كانت إلى النّاس فهي كلام الشّفيع في حاجة يطلبها لغيره إلى من يستطيع قضاءها كالملك مثلا " انتهى .
وهذه الشفاعة – إن كانت في الخير – فهي عمل صالح يؤجر عليه الإنسان .
قال الله تعالى : ( مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا ) النساء /85 .
وعَنْ أَبِي مُوسَى : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ - وَرُبَّمَا قَالَ جَاءَهُ السَّائِلُ - أَوْ صَاحِبُ الحَاجَةِ، قَالَ: ( اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا ) " رواه البخاري ( 6028 ) .
ثانيا :
أما حكم أخذ الأجر والهدية مقابل الشفاعة ، أو كما يسميه بعضهم " ثمن الجاه " فقد اختلف العلماء في ذلك ، فذهب بعضهم إلى تحريمها ، واستدلوا بحديث أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ شَفَعَ لأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا ) رواه أبوداود ( 3541 ) ، وحسنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 7 / 1371 ) .
وذلك لأن الشفاعة عمل صالح يثاب عليه الإنسان من الله تعالى ، فإذا أخذ عليه أجرا أو هدية فقد ضيع أجره عند الله ، كما أن الربا يضيع الحلال .
ينظر : " عون المعبود " ( 9 / 457 ) .
وقد سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :
قمت بإحضار بعض الناس ؛ لكي يعملوا في إحدى دول الخليج ، أخذت منهم بعض النقود برضاهم ، فهل يحق لي ذلك ، وإن كان غير ذلك فماذا أفعل ؟
فأجاب : " إذا كنت اتفقت معهم على مال معلوم من بلادهم حتى توصلهم إلى الخليج ، وتقوم بما يجب من قيمة التذاكر وغير ذلك ، هذا شيء لا حرج فيه ؛ لأنك أديت عنهم مالاً حتى توصلهم إلى إحدى دول الخليج بسبب خدمتك لهم ، وسعيك لهم في إيصالهم إلى دول الخليج حتى يعملوا هناك ، أما إن كانت الأموال التي أخذتها من أجل الشفاعة لهم بأن يعملوا عند فلان ، أو عند فلان ، والنفقة على حسابهم ، لكن أعطوك المال للشفاعة عند فلان أو فلان حتى يستخدمهم ، فلا ينبغي لك أن تأخذ المال ، في الحديث: ( من شفع لأخيه شفاعة، فأهدى له هدية ، فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الربا ) فلا تأخذ عن شفاعتك مالا ، أما إن كنت خدمتهم في شيء ، أعطوك المال عن خدمة ، أخذت لهم الجوازات ، تعبت لهم في الإقامة ، عملت لهم أعمالاً كفيتهم إياها ، وأعطوك المال لخدمتك فقط ، فلا نعلم حرجًا في ذلك في مقابل الخدمة التي خدمتهم إياها " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " ( 19 / 291 – 292 ) .
وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز أخذ الأجرة أو الهدية على الشفاعة إذا لم تكن تلك الشفاعة واجبة عليه ، وأجابوا عن الحديث السابق إما بأنه ضعيف ، فقد ضعفه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام بقوله : في إسناده مقال . وإما بحمله على الشفاعة التي يجب على الإنسان القيام بها ، أو الشفاعة في شيء محرم .
قال الصنعاني رحمه الله تعالى :
" فيه دليل على تحريم الهدية في مقابلة الشفاعة ... ولعل المراد إذا كانت الشفاعة في واجب كالشفاعة عند السلطان في إنقاذ المظلوم من يد الظالم ، أو كانت في محظور كالشفاعة عنده في تولية ظالم على الرعية ، فإنها في الأولى واجبة فأخذ الهدية في مقابلها محرم ، والثانية محظورة فقبضها محظور ، وأما إذا كانت الشفاعة في أمر مباح فلعله جائز أخذ الهدية لأنها مكافأة على إحسان غير واجب ، ويحتمل أنها تحرم لأن الشفاعة شيء يسير لا تؤخذ عليه مكافأة " انتهى من " سبل السلام " ( 5 / 128 ) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى :
" وقد ترجم أبو داود للحديث بقوله " باب في الهدية لقضاء الحاجة " .
وعليه أقول: إن هذه الحاجة هي التي يجب على الشفيع أن يقوم بها لأخيه ، كمثل أن يشفع له عند القاضي أن يرفع عنه مظلمة ، أو أن يوصل إليه حقه ، ونحو ذلك ...
وقد يتبادر لبعض الأذهان أن الحديث مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه ، فإن لم تستطيعوا أن تكافئوه ؛ فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ) . رواه أبو داود وغيره.
فأقول : لا مخالفة ، وذلك بأن يحمل هذا على ما ليس فيه شفاعة ، أو على ما ليس بواجب من الحاجة . والله أعلم " انتهى من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 7 / 1371 – 1372 ) .
وبناء على هذا ، فالأفضل لك أن لا تأخذ مقابل هذه الشفاعة شيئا حتى تدخر أجرك كاملا يوم القيامة ، وإن أخذت هذه الهدية فنرجو أن لا يكون عليك إثم .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب