الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

شهادة الزور بغرض إحقاق الحق وتبرئة البريء من التهمة

220270

تاريخ النشر : 05-09-2014

المشاهدات : 65358

السؤال


وقعت مشاجرة بين عائلتين (س، ص) ، ووقع قتلى من العائلة س ، فقام أشخاص من العائلة س باتهام أشخاص من العائلة ص بالقتل العمد ظلما وزورا ، علما بأن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا متواجدين في مكان المشاجرة ، والذى دعاهم إلى ذلك أن هؤلاء الأشخاص ذوو مكانة في عائلتهم ، وبعد فترة قامت العائلة س بقتل أفراد من العائلة ص ، ثم تم الصلح بين العائلتين ، وغيرت العائلة س أقوالها في المحكمة إحقاقا للحق ودفعا للظلم ، غير أن المحكمة طالبت بشهود نفى لوجود الأشخاص المتهمين في موقع الحادث . السؤال: هل يجوز أن يتطوع أشخاص بهذه الشهادة علما بأنهم متأكدون من أن هذا الاتهام باطل ، باعتراف العائلة س إحقاقا للحق ودفعا للظلم عن أناس لم يرتكبوا أي إثم في هذا الأمر ، غير أنهم منتسبين إلى العائلة ص ؟

الجواب

الحمد لله.


لا بد في أداء الشهادة من القطع بالمشهود به ، فلا يصح الشهادة بما يُشَك فيه ، ولا بما يغلب على الظن ، جاء في " المبسوط " للسرخسي (16 / 116) : " وَلَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يُعَايِنْ ، وَلَمْ يَسْمَعْ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالشُّهُودِ بِهِ ، وَبِدُونِ الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) [الزخرف: 86] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا ) [يوسف: 81] ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّاهِدَ يُعْلِمُ الْقَاضِيَ حَقِيقَةَ الْحَالِ ، وَيُمَيِّزُ الصَّادِقَ الْمُخْبِرَ مِنْ الْكَاذِبِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْهُ ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، وَطَرِيقُ العلم : الْمُعَايَنَةُ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِمَّا يُعَايَنُ ، وَالسَّمَاعُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُسْمَعُ ، كَإِقْرَارِ الْمُقِرِّ" انتهى .
وفي " المقدمات الممهدات " (2 / 271): " لا تصح الشهادة إلا بما يعلم ويقطع على معرفته ، لا بما يشك فيه، ولا بما يغلب على الظن معرفته ، قال الله عز وجل : ( وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا ) [يوسف: 81] " انتهى .
وفي " الذخيرة " للقرافي (10 / 156) : " ( مستند الشاهد ) : الأصل فيه العلم اليقين ، لقوله تعالى ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) ، وقوله تعالى ( وما شهدنا إلا بما علمنا )" انتهى.
وفي " الأم " للشافعي (7 / 96) : " وَمَا شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ بِمُعَايَنَةٍ ، وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ سَمْعًا ، مَعَ إثْبَاتِ بَصَرٍ حِينَ يَكُونُ الْفِعْلُ " انتهى.
فإن شهد الشاهد بما لم يتيقنه : كان آتيا بشهادة زور ، وشهادة الزور من كبائر الذنوب التي توجب غضب الله سبحانه وسخطه ، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ) ، قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : ( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ) ، وكان متكئاً فجلس فقال : ( ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ، ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ) ، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت " رواه البخاري ( 5631 ) ، ومسلم ( 87 ) .
جاء في " سبل السلام " (2 / 585) : " وَإِنَّمَا اهْتَمَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْبَارِهِمْ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ ، وَجَلَسَ ، وَأَتَى بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ ، وَكَرَّرَ الْإِخْبَارَ ؛ لِكَوْنِ قَوْلِ الزُّورِ ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ : أَسْهَلَ عَلَى اللِّسَانِ ، وَالتَّهَاوُنِ بِهَا أَكْثَرَ ؛ وَلِأَنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ ( قول الزور) كَثِيرَةٌ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا ، فَاحْتِيجَ إلَى الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ ، بِخِلَافِ الْإِشْرَاكِ ، فَإِنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَتَعَدَّى مَفْسَدَتُهُ إلَى غَيْرِ الْمُشْرِكِ ، بِخِلَافِ قَوْلِ الزُّورِ ، فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى مَنْ قِيلَ فِيه " انتهى.
وأخرج أبو داود (3599) ، والترمذي (2300) ، وابن ماجه (2372) عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الأسدي ، قَالَ : " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ قَائِمًا فَقَالَ: ( عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ ) ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ قَرَأَ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ [الحج: 31] " . – والحديث : ضعفه الألباني في" السلسة الضعيفة " (1110) .
واعلم أيها السائل أن شهادة الزور محرمة حتى ، وإن كان يقصد بها إحقاق حق ، لأن إحقاق الحق وإن كان غاية مشروعة محمودة ، إلا أن الوسيلة إليه أيضا لا بد وأن تكون مشروعة محمودة ، وشهادة الزور أمر منكر محرم ، فلا يجوز اللجوء إليه للتوصل إلى الحق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى الكبرى " (6 / 119) : ".. الْغُلُول وَالْخِيَانَة حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّوَصُّلَ إلَى حَقِّهِ ، كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالْكَذِبَ حَرَامٌ ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّوَصُّلَ إلَى حَقِّهِ " انتهى .

ومن هنا يُعلم : أنه لا يجوز لهؤلاء الشهود أن يشهدوا على شيء لم يروه ، ولو كان قصدهم طيبا ، من إحقاق حق ، أو إبطال باطل ، لكن يجوز لهم أن يشهدوا بما علموه وسمعوه من إقرار المدعين بأن هؤلاء المتهمين برآء .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب