الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

الدليل على قتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم رغم توبته

220324

تاريخ النشر : 28-09-2014

المشاهدات : 97128

السؤال


ما هي الأحاديث التي تدل على وجوب قتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعرض له ، وإن أظهر صدق التوبة ؟ وهل هناك حديث ( نص ) على عدم قبول توبة من شتمه صلى الله عليه وسلم ؟ أم هو استدلال عقلي بأن قتل شاتمه حق خاص له عليه الصلاة والسلام ، ولا نملك نحن أن نعفو بالنيابة عنه صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله.


مسألة قتل من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم بعد توبته وإعلانه بها ؛ من مسائل الخلاف بين أهل العلم ، وقد ذهب كثير منهم إلى أن هذا الساب ، إذا قامت عليه البينة بذلك : فإنه يقتل ، وإن أعلن بتوبته .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" في استتابة المسلم وقبول توبة من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرنا أن المشهور عن مالك وأحمد : أنه لا يستتاب ولا تسقط القتل عنه توبته ، وهو قول الليث بن سعد وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء ، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ، وحكى مالك وأحمد : أنه تقبل توبته ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبة المرتد " انتهى من " الصارم المسلول " (3/578) .

ومن ذهب من أهل العلم ، إلى قتل الساب مطلقا ، سواء تاب أو لم يتب ، لم يعتمد على مجرد العقل ، كما ذكر السائل ؛ وإنما هو أمر مبني على دلالات النصوص ، وأصول الشرع ، ولا مدخل للنظر العقلي المجرد في ذلك .

وبيان ذلك : أنّ السبّ يشتمل على جريمتين :
1- جريمة الكفر والردة عن دين الإسلام ، وهذه الجريمة ترتفع عقوبتها بالتوبة ، كما هو مذهب جماهير أهل العلم .
2- جريمة الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد فهم هؤلاء العلماء من هذه النصوص أن القتل هو الحدّ لجريمة الإيذاء هذه ، ومقتضى ذلك أن هذه العقوبة لا ترفع إلا بعفو من صاحب الحق ، وهو النبي صلى الله عليه ، كما هو الشأن في غيره من حقوق العباد المعينين .

ومن هذه النصوص التي استدل بها من ذهب إلى قتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم ، ما يلي :
1- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (‏ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ) رواه البخاري ( 3031 ) ، ومسلم ( 1801 ) .

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :
" ومما يحتج به في هذا الباب – أي في قتل من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم - قصة كعب بن الأشرف . وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من لكعب بن الأشرف ، فإنه قد آذى الله ورسوله ) فانتدب له جماعة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقتلوه " انتهى من " الإشراف على مذاهب العلماء " (8/60) .

وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" قد دل هذا الحديث على أن أذى الله ورسوله علة للانتداب إلى قتل كل أحد ، فيكون ذلك علة أخرى غير مجرد الكفر والردة ، فإن ذكر الوصف بعد الحكم بحرف الفاء دليل على أنه علة ، والأذى لله ورسوله يوجب القتل ، ويوجب نقض العهد ، ويوجب الردة...
فلما علل قتله بالوصف الأخص علم أنه مؤثر في الأمر بقتله ، لا سيما في كلام من أوتي جوامع الكلم ، وإذا كان المؤثر في قتله أذى الله ورسوله وجب قتله وإن تاب ...
ولا خلاف علمناه أن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات لا تسقط عقوبتهم بالتوبة ، فالذين يؤذون الله ورسوله أحق وأولى " انتهى من " الصارم المسلول " (3/769 – 770) .

2 - عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا " رواه أبوداود (4362) ، وصحح إسناده الألباني في " إرواء الغليل " (5/91) .

وهذه المرأة يهودية واليهود كانوا ممن عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا نقضت الكافرة عهدها ولم تقاتل فإنها تسترق ولا تقتل ، فالمرأة الكافرة لا يجوز قتلها إلا إذا قاتلت كما هو مشهور في النصوص الشرعية ، فيأخذ من هذا أن قتلها ليس للكفر وإنما للإيذاء الحاصل منها ، ومن المعلوم أن من له حق المسامحة عن الإيذاء هو الذي أوذي وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قد توفي فليس لأمته أن تسامح في حقه بدلا عنه .

3 - حديث القينتين اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة بقتلهما ولم يعط لهما الأمان الذي أعطاه لباقي سكان مكة رغم أن من سكان مكة من كان أشد عداوة وحربا للإسلام . انظر " مغازي الواقدي " (2/859 – 860) ، و " سيرة ابن هشام " (4/52) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري : وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلوا أحدا إلا من قاتلهم ، وأمر بقتل أربعة نفر ، قال : وأمر بقتل قينتين لابن خطل تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : وقتلت إحدى القينتين وكمنت الأخرى حتى استؤمن لها . وكذلك ذكر محمد بن عائد القرشي في مغازيه .
– ونقل ابن تيمية عدة روايات ثم قال - وحديث القينتين مما اتفق عليه علماء السير ، واستفاض نقله استفاضة يستغنى بها عن رواية الواحد " انتهى من " الصارم المسلول " (2/ 249 – 253) .

وقال رحمه الله – أيضاً - : " فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل النسوة اللاتي كن يؤذينه بألسنتهن بالهجاء ، مع أمانه لعامة أهل البلد ، ومع أن قتل المرأة لا يجوز إلا أن تفعل ما يوجب القتل ولم يستتب واحدة منهن حين قتل من قتل والكافرة الحربية من النساء لا تقتل إن لم تقاتل ، والمرتدة لا تقتل حتى تستتاب ، وهؤلاء النسوة قتلن من غير أن يقاتلن ولم يستتبن ، فعلم أن قتل من فعل مثل فعلهن جائز بدون استتابة ، فإن صدور ذلك عن مسلمة أو معاهدة أعظم من صدوره عن حربية " انتهى من " الصارم المسلول " (3/643) .

وللفائدة طالع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " الصارم المسلول " الجزء الثالث من الصفحة (635) وما بعدها ، ففيه استيعاب الأدلة والنصوص حول هذه المسألة الكبيرة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب