الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1446 - 24 ديسمبر 2024
العربية

تقوم إحدى الزوجات بالاستعانة بقوانين ظالمة للإضرار بالزوجة الأخرى ، فما الحكم؟

221961

تاريخ النشر : 14-12-2014

المشاهدات : 6207

السؤال


أنا زوجة ثانية لرجل ديّن ، وأحبه كثيراً ، ومنذ أن تزوجنا كشرت زوجته الأولى عن أنيابها ، وطردته من البيت ، وهددته بالطلاق ، وطلبت منه أن يطلقني ، الأمر الذي يرفضه بشدة ، وذهبت بها الغيرة إلى أن استعانت بالحكومة الكافرة لحل الإشكال ، بل واتصلت بالشرطة . لكنها ولحسن الحظ هدأت أخيراً لكن بشروطها هي ، فقد اشترطت أن يبيت عندها ثلاثة أيام ، ويوماً واحداً عندي ، متحججة بأنها أم أولاد ، وبالتالي لها من الحق في الزوج أكثر مني ، وما كان منه إلا أن طلب مني الموافقة على ذلك ، فوافقت مكرهة . إنه يعمل ثمان ساعات في اليوم ، وثمان أخرى للنوم ، أي إنه لم يصف لي إلا ثمان ساعات كل ثلاثة أيام ، وفي بعض الأحيان تخفف الشرط فتجعل لها يومين ولي يوم واحد . لقد هُضم حقي ، وظُلمت ظلماً صارخاً، لكن ما الحيلة..! كل هذا من أجل أن لا تطلقه . فما نصيحتكم؟ إنه أمر مزعج للغاية ، ثم ما الذي يخشاه هذا الرجل إذا كان الطلاق قدره ، فلطالما امتُحن رجال بهذه المحنة وطلقتهم زوجاتهم فرضوا بما قسم لهم ، أيظن أنه بهضم حقوقي وظلمي سينعم بالسعادة مع زوجته الأولى .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
لا شك أن سعي إحدى الزوجات ، الأولى أو من عداها ، في طلاق الزوجة الأخرى : محرم ، وسعي في الباطل ، وفيما يغضب الرحمن ، ويرضي الشيطان ، وهو من شح النفوس ، وأثرتها ، وقد قال الله عز وجل : ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر/9 ؛ فدل ذلك على خسارة من انساق وراء شح نفسه ، وأتبعها هواها .
وهو كذلك من سوء الظن بالله جل جلاله ، وضعف الإيمان بقدره ؛ فإن الرزق كله بيد الله ، ومن ذلك : محبة الزوجة لزوجته ، وفراغه لها ، وإقباله عليها ؛ فكل ذلك رزق من رزق الله ، وما عند الله لا ينال بمعصيته .
وقد روى البخاري (5152) ، ومسلم (1408) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا ، لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا ) .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا لِتَنْفَرِدَ بِهِ ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ عَلَيْهَا ، لَا يَنْقُصُهَا طَلَاقُ ضَرَّتِهَا شَيْئًا مِمَّا جَرَى بِهِ الْقَدَرُ لَهَا وَلَا يَزِيدُهَا .
وَقَالَ الْأَخْفَشُ : كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ تُفْرِغَ صَحْفَةَ تِلْكَ مِنْ خَيْرِ الزَّوْجِ ، وَتَأْخُذَهُ هِيَ وَحْدَهَا .
قَالَ أَبُو عُمَرَ : وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ أَحَادِيثِ الْقَدَرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَنَالُهُ إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ) وَالْأَمْرُ فِي هَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ " انتهى من " التمهيد " (18/165) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" فِيهِ التَّغْلِيظُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْأَلَ طَلَاقَ الْأُخْرَى ، وَلِتَرْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهَا " انتهى من " فتح الباري" (9/127) .
ثانيا :
لا شك أيضا أن سعيها في الإضرار بزوجها ، واستعانتها بالشرطة الكافرة عليه محرم بين التحريم ، لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تقدم عليه ، وهو من تلاعب الشيطان بها .
ومثل ذلك سعيها في الإضرار بضرتها في القسمة ، وحمل الزوج على أن ينتقصها حقها ، أو يميل إلى الزوجة الأولى ، إما خوفا من سعيها في الطلاق منه ، اعتمادا على قوانين الكفر التي تعينها على ذلك ، أو ضغطا على الزوج لحال أولاده ، أو نحو ذلك من الأسباب ، ونقاط الضعف التي تراها في زوجها ، وتستغلها لنيل ما لا يحل لها من الميل إليها وتمييزها في القسم ، أو العمل على طلاق ضرتها .
وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ) رواه الإمام أحمد (15755) ، وأبو داود (3635) ، والترمذي (1940) ، وابن ماجة (2342) ، وحسنه الألباني .
ولا يجوز للزوج أن يذعن إلى شحها ، ويلبي لها رغبتها ، وإنما عليه أن يسعى للعدل بين زوجتيه بما استطاع ، مع أننا لا نرى له أن يصل الأمر إلى طلاقها ، بل عليه أن يداريها ، ويستصلحها ، ويحرص على الإبقاء عليها ، مع رعاية لأولاده من أن يعيشوا بلا أب ، خاصة في بلاد الكفر .
فإن تعذر عليه أن يعدل بين زوجتيه ، للظروف المذكورة ، أو لغيرها من الأسباب التي قد تحول بينه وبين ذلك ، فإننا لا ننصحك أيضا أن تصلي بعلاقتك بزوجك إلى حد المعادلة الصفرية : إما أنا وإما هي ، إما أن تعطيني حقي كاملا ، وإما أن تطلقني ، إما كذا ، وإما كذا .
بل العاقل يسعى في تحصيل خير الخيرين ، ودفع شر الشرين ، وتحصيل ما يمكنه من المصالح ، ودفع ما يمكنه من المفاسد ، بقدر المستطاع .
ولا شك أن بقاءك مع زوج يحبك ، وتحبينه ، ويأوي إليك ، وتأوين إليه ، ولو كان ذلك مرة كل ثلاث ، أو كل أربع .. ، هو خير لك من السعي في الطلاق ، والعيش بلا زوج ، خاصة في مثل بلادكم .
وأسوأ أحوالك أن تقدري أن زوجك له أربع نسوة ، وليس زوجتين فقط ؛ فماذا كنت ستفعلين ؟
هل كنت ستطلبين منه أن يطلق باقي نسائه ، ليتفرغ لك ، كما تفعل زوجته الأولى ؟ أو ماذا كنت ستفعلين ؟
فاسمحي لزوجك ببعض ما فيه توسعة عليه ، وإقامة لعيشه ، وحل لمشكلته ، وما جعل الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ، وإذا أراد الله بأهل بيت خيرا : أدخل عليهم الرفق ، وإذا أراد بهم شرا ، نزع منهم الرفق ، والإيمان ركنان ركينان : الصبر ، والسماحة ؛ فبالصبر يتحمل المرء ما يجده من ألم العيش والابتلاء ، ومشقة التكليف ، ومخالفة هوى النفس ، ودواعي الطباع .
وبالسماحة : تقوى نفسه على بذل ما عندها من الخير ، وإن خالف هواها ، وتسعى في التزكية ، والصعود في منازل الإيمان .
يسر الله لك أمرك ، وأصلح لك زوجك ، وكفاك شر ما أهمك ، وجمع بينك وبين زوجك على خير ما يحب الله ويرضى .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب