الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

يرى أن السجود على الأرض أفضل من السجود على السجاد

222043

تاريخ النشر : 30-12-2014

المشاهدات : 101210

السؤال


ما حكم السجود على التراب والسجادة المصنوعة من القش ؛ فالآثار تدل على تفضيل الصحابة والتابعين السجود على التراب ، والمذهب المالكي ينص على ندب الصلاة على التراب ، فلماذا تغير الحال الآن ، وأصبحت الصلاة على السجاد الناعم بدلاً من أوراق شجر النخيل والتراب كما كان الحال في السابق ؟

الجواب

الحمد لله.


لا حرج في الصلاة على السجاد ، سواء كان فاخرا أم رديئا ؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على الحصير ، وعلى الخُمْرة ، وكلها تَحول بين جبهته الشريفة وبين التراب .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال – في حديث طويل -: " فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَصَفَفْتُ وَاليَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ " رواه البخاري (380) ، ومسلم (658) .
وعن مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ ، وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَةٍ " رواه البخاري (379) ، ومسلم (513) ، قال الخطابي : " الخُمرة : سجادة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط ، وسميت خمرة لأنها تخمِّر وجه الأرض ، أي : تستره " . ينظر : " معالم السنن " (1/183) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ، فَرُبَّمَا تَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا ، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ ، ثُمَّ يُنْضَحُ " رواه مسلم (659) .
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ ) رواه مسلم (519).
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ : " صَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ بِالْبَصْرَةِ عَلَى بِسَاطِهِ ، ثُمَّ حَدَّثَ أَصْحَابَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ يُصَلِّي عَلَى بِسَاطٍ " رواه ابن ماجه (1030) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : " كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي ، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا " رواه البخاري (382) في " صحيحه " تحت باب " الصلاة على الحصير " ، قال ابن رجب رحمه الله : " هذا يدل على أنه كان يسجد على طرف الفراش الذي كانت نائمة عليه ، وكانت رجلاها عليه ، مع أنه يحتمل أن تكون رجلاها خرجت عن الفراش حتى صارت على الأرض في موضع سجوده " انتهى من " فتح الباري " (3/27) .
فهذه الأحاديث تدل على جواز أن يسجد المصلي على فراش أو بساط يحول بين جبهة المصلي وبين وجه الأرض .
قال الخطابي رحمه الله :
" وفيه من الفقه جواز الصلاة على الحصير والبسط ونحوها .
وكان بعض السلف يكره أن يصلى إلاّ على الأرض .
وكان بعضهم يجيز الصلاة على كل شيء يعمل من نبات الأرض ، فأما ما يتخذ من أصواف الحيوان وشعورها فإنه كان يكرهه " انتهى من " معالم السنن " (1/183) .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" دلت هذه الأحاديث على جواز الصَّلاة على الحصير ، وأكثر أهل العلم على جواز الصلاة على الحصير والسجود عليه " انتهى من " فتح الباري " (3/18) .
قال السرخسي الحنفي رحمه الله :
" إذا صلى على طنفسة (بساط من صوف) محشوة جازت صلاته إذا كان متلبدا أي : إذا كان الصوف فيها مجتمعا بحيث .... الساجد عليه ، وقد روي عن بعض الصحابة قال : ما أبالي صليت على عشر طنافس أو أكثر " انتهى من " المبسوط " (1/205) .
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" لا تجب مباشرة المصلَّى بشيء منها [ يعني أعضاء السجود ] ، فتصح ولو سجد مع حائل بين الأعضاء ومصلاه ، قال البخاري في " صحيحه " : قال الحسن : كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة " انتهى من " الروض المربع " (1/71) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" الصواب في هذا أنه لا حرج في ذلك ، وأنه لا بأس بالصلاة على فرش من القطن والصوف والوبر ، هكذا إن كان من سعف النخل وغير ذلك ، كل هذا لا حرج فيه عند أهل العلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الخُمْرة - وهي من سعف النخل - وقد صلى الصحابة على الأنماط من القطن وغيرها ، وليس في هذا محظور بحمد الله عند أهل العلم ، عند علماء السنة ، كل ذلك جائز والحمد لله ، يصلي الإنسان على القطن والصوف وعلى ما نبت من الأرض من سائر الشجر ، من سعف النخل وغيره ، كله بحمد الله جائز ، والأمر واسع " .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (7/313) .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (المجموعة الثانية 5/ 279) :
" الصلاة على السجادة الخاصة بالمصلي ، أو على السجاد العام للمصلين في المسجد ، لا بأس بها ، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على الحصير ، وعلى غيره من الفرش ، وصلى على الأرض ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يتقيد بحالة معينة من ذلك ، بل كان يصلي على ما تيسر" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – الشيخ عبد العزيز آل الشيخ – الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .
وقد نقل النووي رحمه الله في " شرح صحيح مسلم " إجماع العلماء على جواز الصلاة على الحصير وسائر ما تنبته الأرض . انظر شرح الحديث رقم : (1053) .
وأما مذهب مالك رحمه الله فهو على ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى : أن الأفضل السجود على الأرض بلا حائل لما فيه من التواضع .
المرتبة الثانية : السجود على الحصير ، وذلك مباح عندهم ، وليس سنة ولا مكروها .
المرتبة الثالثة : السجود على البسط ، وذلك مكروه عندهم إلا إذا كانت الأرض خشنة أو حارة ، أو كان ذلك البساط مفروشا في المسجد فلا كراهة حينئذ .
قال ابن الحاج في "المدخل" (2/211) :
" فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِالسُّجُودِ ، ثُمَّ يَلِيهَا الْحَصِيرُ الْغَلِيظُ ، ثُمَّ مَا هُوَ أَرْفَعُ مِنْهُ ، ثُمَّ الْكَتَّانُ الْغَلِيظُ كَذَلِكَ ، ثُمَّ الْقُطْنُ مِثْلُهُ ثُمَّ الصُّوفُ" انتهى .
وقال في "منح الجليل" (1/268) :
"وَكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ لَمْ يُفْرَشْ فِي الْمَسْجِدِ ... وَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِالضَّرُورَةِ كَشِدَّةِ حَرٍّ وَبَرْدٍ ، وَخُشُونَةِ أَرْضٍ ، وَجَرْحٍ بِجَبْهَةٍ .
ولَا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى حَصِيرٍ خَشِنٍ ، وَيُكْرَهُ عَلَى الْحَصِيرِ النَّاعِمِ ، وَتَرْكُهُ أَيْ السُّجُودِ عَلَى الْحَصِيرِ الْخَشِنِ أَحْسَنُ ، فَالسُّجُودُ عَلَيْهِ خِلَافُ الْأَوْلَى" انتهى .
وقال الدسوقي المالكي رحمه الله :
" لو كان البساط معدا لفراش المسجد فلا كراهة في السجود عليه " .
انتهى من " حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " (1/252).
وذكر ابن حزم رحمه الله في " المحلى " (2/402-403) أن الصلاة على الجلود والبسط جائزة ، وذكر آثارا عن بعض السلف تدل على جواز ذلك وعدم كراهته فقال :
" وروينا عن ابن مسعود : أنه صلى على مسح شعر .
وعن عمر بن الخطاب : أنه كان يسجد في صلاته على عبقري . وهو بساط صوف .
وعن ابن عباس : أنه سجد في صلاته على طنفسة ، وهي بساط صوف .
وعن أبي الدرداء مثل ذلك .
وعن شريح والزهري مثل ذلك .
وعن الحسن ، ولا مخالف لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك - وبالله تعالى التوفيق " انتهى .

وإذا اختار المسلم أن يصلي على الأرض مباشرة فلا حرج في ذلك ، بل نقل بعض العلماء على أن ذلك أفضل ، لما فيه من التواضع .
انظر " شرح مسند أبي حنيفة " لعلي القاري (ص 319).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب